التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدٗا وَقِيَٰمٗا} (64)

ثم وصف - سبحانه - حالهم مع خالقهم فقال : { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } والبيتوتة أن يدركك الليل سواء أكنت نائما أم غير نائم .

أى : أن من صفاتهم أنهم يقضون جانبا من ليلهم ، تارة ساجدين على جباههم لله - تعالى - وتارة قائمين على أقدامهم بين يديه - سبحانه - .

وخص وقت الليل بالذكر . لأن العبادة فيه أخشع ، وأبعد عن الرياء ، وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً . . . } وقوله - سبحانه - : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ الليل سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ . . }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدٗا وَقِيَٰمٗا} (64)

63

هذا نهارهم مع الناس فأما ليلهم فهو التقوى ومراقبة الله ، والشعور بجلاله ، والخوف من عذابه .

( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما . والذين يقولون : ربنا اصرف عنا عذاب جهنم . إن عذابها كان غراما . إنها ساءت مستقرا ومقاما ) . .

والتعبير يبرز من الصلاة السجود والقيام لتصوير حركة عباد الرحمن ، في جنح الليل والناس نيام . فهؤلاء قوم يبيتون لربهم سجدا وقياما ، يتوجهون لربهم وحده ، ويقومون له وحده ، ويسجدون له وحده . هؤلاء قوم مشغولون عن النوم المريح اللذيذ ، بما هو أروح منه وأمتع ، مشغولون بالتوجه إلى ربهم ، وتعليق أرواحهم وجوارحهم به ، ينام الناس وهم قائمون ساجدون ؛ ويخلد الناس إلى الأرض وهم يتطلعون إلى عرش الرحمن ، ذي الجلال والإكرام .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدٗا وَقِيَٰمٗا} (64)

وقوله : { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا } أي : في عبادته وطاعته ، كما قال تعالى : { كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الذاريات : 17 - 18 ] ، وقال { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [ السجدة : 16 ] وقال { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } الآية [ الزمر : 9 ] ولهذا قال : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدٗا وَقِيَٰمٗا} (64)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجّداً وَقِيَاماً * وَالّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا اصْرِفْ عَنّا عَذَابَ جَهَنّمَ إِنّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } .

يقول تعالى ذكره : والذين يبيتون لربهم يصلون لله ، يراوحون بين سجود في صلاتهم وقيام . وقوله : وَقِياما جمع قائم ، كما الصيام جمع صائم . وَالّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنا اصْرِفْ عَنّا عَذابَ جَهَنّمَ يقول تعالى ذكره : والذين يدعون الله أن يصرف عنهم عقابه وعذابه حذرا منه ووجلاً . ) وقوله : إنّ عَذَابها كانَ غَرَاما يقول : إن عذاب جهنم كان غراما ملحّا دائما لازما غير مفارق من عذّب به من الكفار ، ومهلكا له . ومنه قولهم : رجل مُغْرم ، من الغُرْم والدّين . ومنه قيل للغريم غَريم لطلبه حقه ، وإلحاحه على صاحبه فيه . ومنه قيل للرجل المولع للنساء : إنه لمغرَم بالنساء ، وفلان مغرَم بفلان : إذا لم يصبر عنه ومنه قول الأعشى :

إنْ يُعاقِبْ يَكنْ غَرَاما وَإنْ يُعْ *** طِ جَزِيلاً فإنّهُ لا يُبالي

يقول : إن يعاقب يكن عقابه عقابا لازما ، لا يفارق صاحبه مهلكا له . وقول بشر بن أبي خازم :

يَوْمَ النّسارِ وَيَوْمَ الجِفا *** رِ كانَ عِقابا وكانَ غَرَاما

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن الحسن اللاني ، قال : أخبرنا المعافى بن عمران الموصلي ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب في قوله إنّ عَذَابها كانَ غَرَاما قال : إن الله سأل الكفار عن نعمه ، فلم يردّوها إليه ، فأغرمهم ، فأدخلهم النار .

قال : ثنا المعافى ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن ، في قوله إن عَذَابَها بها كانَ غَرَاما قال : قد علموا أن كلّ غريم مفارق غريمه إلا غريم جهنم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله إنّ عَذَابَها كانَ غَرَاما قال : الغرام : الشرّ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، في قوله إنّ عَذَابها كانَ غَرَاما قال : لا يفارقه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدٗا وَقِيَٰمٗا} (64)

عطف صفة أخرى على صفتيهم السابقتين على حدّ قول الشاعر :

إلى الملِك القرم وابن الهمام *** وليث الكتيبة في المُزدحم

وإعادة الموصول لتأكيد أنهم يُعرفون بهذه الصلة ، والظاهر أن هذه الموصولات وصلاتها كلها أخبار أو أوصاف لعباد الرحمان . روي عن الحسن البصري أنه كان إذا قرأ { الذين يمشون على الأرض هَوْناً } [ الفرقان : 63 ] قال : هذا وصف نهارهم ، ثم إذا قرأ { والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً } قال : هذا وصف ليلهم .

والقِيام : جمع قَائم كالصِحاب ، والسجود والقيام ركنا الصلاة ، فالمعنى : يبيتون يصلّون ، فوقع إطناب في التعبير عن الصلاة بركنيها تنويهاً بكليهما . وتقديم { سجداً } على { قياماً } للرعي على الفاصلة مع الإشارة إلى الاهتمام بالسجود وهو ما بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : « أقرب ما يكونُ العبد من ربه وهو ساجد » وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيري التهجد كما أثنى الله عليهم بذلك بقوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } [ السجدة : 16 ] .