التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ} (162)

وقوله : { خَالِدِينَ فِيهَا }

الخلود البقاء إلى غير نهاية ، ويستعمل بمعنى البقاء مدة طويلة . وإذا وصف به عذاب الكافر أريد به المعنى الأول ، أي : البقاء إلى غير نهاية والظاهر أن الضمير في قوله { فِيهَا } يعود إلى اللعنة لأنها هي المذكورة في الجملة . وقيل إنه يعود إلى النار لأن اللعن إبعاد من الرحمة وإيجاب للعقاب والعقاب يكون في النار . وقوله { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب } أي : أن المقدار الذي استحقوه من العذاب لا يتفاوت بحسب الأوقات شدة وضعفاً ، وإنما هم في عذاب سرمدي أليم ، كما قال - تعالى - { إِنَّ المجرمين فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ . لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } والزيادة في قوله - تعالى - : { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } حملها بعض العلماء على معنى استمرار العذاب ، فهي إشارة إلى الخلود فيه لا إلى الزيادة في شدته . وقوله : { خَالِدِينَ فِيهَا } إشارة إلى دوام العذاب وعدم انقطاعه . وقوله : { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ } إشارة إلى كيفية وشدته .

وقوله : { وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ } أي : لا يمهلون ولا يؤخرون من العذاب كما كانوا يمهلون في الدنيا . من الإِنظار بمعنى التأخير والإِمهال . أو من النظر بمعنى الانتظار يقال : نظرته وانتظرته ، أي : أخرته وأمهلته ومنه قوله - تعالى - : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ } أو من النظر بمعنى الرؤية ، أي : لا ينظر الله إليهم نظر رحمة ورضا ولطف كما ينظر إلى عباده الصالحين ، لأنهم بكتمانهم للحق ، وكفرهم بالله ، استحقوا ما استحقوا من العذاب المهين . { وَمَا ظَلَمَهُمُ الله ولكن أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } وبذلك تكون الآيات الكريمة قد حذرت الناس بأسلوب تأديبي حكيم من كتمان الحق ، ومن الكفر بالله ، وفتحت أمامهم باب التوبة ليدخلوه بصادق النية ، وصالح العمل ، وتوعدت من يستمر في ضلاله وطغيانه بأقسى أنواع العذاب ، وأغلظ ألوانه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ} (162)

158

ولم يذكر السياق لهم عذابا آخر غير هذه اللعنة المطبقة ؛ بل عدها عذابا لا يخفف عنهم ، ولا يؤجل موعده ولا يمهلون فيه . وإنه لعذاب دونه كل عذاب . عذاب المطاردة والنبذ والجفوة . فلا يتلقاهم صدر فيه حنان ، ولا عين فيها قبول ، ولا لسان فيه تحية . إنهم ملعونون مطرودون منبوذون من العباد ومن رب العباد في الأرض وفي الملأ الأعلى على السواء . . وهذا هو العذاب الأليم المهين . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ} (162)

ثم أخبر تعالى عمن كفر به واستمرّ به الحالُ إلى مماته بأن { عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا } أي : في اللعنة التابعة{[3019]} لهم إلى يوم القيامة{[3020]} ثم المصاحبة لهم في نار جهنم التي { لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ } فيها ، أي : لا ينقص عَمَّا هم فيه { وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ } أي : لا يغير{[3021]} عنهم ساعة واحدة ، ولا يفتَّر ، بل هو متواصل دائم ، فنعوذ بالله من ذلك .

وقال أبو العالية وقتادة : إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ، ثم تلعنه الملائكة ، ثم يلعنه الناس أجمعون .

فصل : لا خلاف في جواز لعن الكفار ، وقد كان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وعمن بعده من الأئمة ، يلعنون الكفرة في القنوت وغيره ؛ فأما الكافر المعين ، فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يلعن لأنا لا ندري بما يختم له ، واستدل بعضهم بهذه الآية : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } وقالت طائفة أخرى : بل يجوز لعن الكافر المعين . واختار ذلك الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي ، ولكنه احتج بحديث فيه ضعف ، واستدل غيره بقوله ، عليه السلام ، في صحيح البخاري في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده ، فقال رجل : لعنه الله ، ما أكثر ما يؤتى به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله " {[3022]} قالوا : فعلَّة المنع من لعنه ؛ بأنه يحب الله ورسوله فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يلعن ، والله أعلم .


[3019]:في جـ: "الباقية".
[3020]:في أ: "يوم الدين".
[3021]:في جـ، أ، و: "لا يفتر".
[3022]:رواه البخاري في صحيحه برقم (6780) من حديث عمر رضي الله عنه.

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ} (162)

القول في تأويل قوله تعالى : { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ }

إن قال لنا قائل : ما الذي نصب خَالِدِينَ فِيهَا ؟ قيل : نصب على الحال من الهاء والميم اللتين في عليهم . وذلك أن معنى قوله : أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ : أولئك يلعنهم الله والملائكة والناس أجمعون خالدين فيها . ولذلك قرأ ذلك : «أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالمَلاَئِكَةُ وَالنّاسِ أجْمَعُون » من قرأه كذلك توجيها منه إلى المعنى الذي وصفت . وذلك وإن كان جائزا في العربية ، فغير جائزة القراءة به لأنه خلاف لمصاحف المسلمين وما جاء به المسلمون من القراءة مستفيضا فيها ، فغير جائز الاعتراض بالشاذّ من القول على ما قد ثبتت حجته بالنقل المستفيض . وأما الهاء والألف اللتان في قوله : فِيهَا فإنهما عائدتان على اللعنة ، والمراد بالكلام ما صار إليه الكافر باللعنة من الله ومن ملائكته ومن الناس والذي صار إليه بها نار جهنم . وأجرى الكلام على اللعنة والمراد بها ما صار إليه الكافر كما قد بينا من نظائر ذلك فيما مضى قبل . كما :

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : خَالِدِينَ فِيهَا يقول : خالدين في جهنم في اللعنة .

وأما قوله : لا يُخَفّفُ عَنْهُمُ العَذَابُ فإنه خبر من الله تعالى ذكره عن دوام العذاب أبدا من غير توقيت ولا تخفيف ، كما قال تعالى ذكره : وَالّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنّمَ لاَ يُقْضَىَ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا وكما قال : كُلّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْنَاهُمْ جُلُودا غَيْرَها .

وأما قوله : وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ فإنه يعني ولا هم ينظرون بمعذرة يعتذرون . كما :

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ يقول : لا ينظرون فيعتذرون ، كقوله : هَذَا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ} (162)

{ خالدين فيها } أي في اللعنة ، أو النار . وإضمارها قبل الذكر تفخيما لشأنها وتهويلا ، أو اكتفاء بدلالة اللعن عليه . { لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون } أي لا يمهلون ، أو لا ينتظرون ليعتذروا ، أو لا ينظر إليهم نظر رحمة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ} (162)

خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ( 162 )

{ خالدين فيها } ، والضمير عائد على اللعنة ، وقيل على النار وإن كان لم يجر لها ذكر ، لثبوتها في المعنى .

ثم أعلم تعالى برفع وجوه الرفق عنهم لأن العذاب إذا لم يخفف ولم يؤخر فهو النهاية ، و { ينظرون } معناه يؤخرون عن العذاب ، ويحتمل أن يكون من النظر ، نحو قوله تعالى { ولا ينظر إليهم يوم القيامة }( {[5]} ) [ آل عمران : 77 ] ، والأول أظهر ، لأن النظر بالعين إنما يعدى بإلى إلا شاذاً في الشعر .


[5]:- من الآية رقم (7) من سورة آل عمران.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ} (162)

قوله : { خالدين فيها } تصريح بلازم اللعنة الدائمة فالضمير عائد لجهنم لأنها معروفة من المقام مثل { حتى توارت بالحجاب } [ ص : 32 ] ، { كلا إذا بلغت التراقي } [ القيامة : 26 ] ، ويجوز أن يعود إلى اللعنة ويراد أثرها ولازمها .

وقوله : { لا يخفف عنهم العذاب } أي لأن كفرهم عظيم يصدهم عن خيرات كثيرة بخلاف كفر أهل الكتاب .

والإنظار الإمهال ، نظره نظرة أمهله ، والظاهر أن المراد ولا هم يمهلون في نزول العذاب بهم في الدنيا وهو عذاب القتل إذ لا يقبل منهم إلاّ الإسلام دون الجزية بخلاف أهل الكتاب وهذا كقوله تعالى : { إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون ، يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } [ الدخان : 15 ، 16 ] وهي بطشة يوم بدر . وقيل : { ينظرون } هنا من نظر العين وهو يتعدى بنفسه كما يتعدى بإلى أي لا ينظر الله إليهم يوم القيامة وهو كناية عن الغضب والتحقير .

وجيء بالجملة الاسمية لدلالتها على الثبات والاستقرار بخلاف قوله : { أولئك عليهم لعنة الله } فالمقصود التجدد ليكونوا غير آيسين من التوبة .