التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ} (56)

وهنا دفع إبراهيم - عليه السلام - عن نفسه رذيلة اليأس من رحمة الله . فقال على سبيل الإِنكار والنفى { وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضآلون } أى : أنا ليس بى قنوط أو يأس من رحمة الله ، لأنه لا ييأس من رحمة الله - تعالى - إلا القوم الضالون عن طريق الحق والصواب ، الذين لا يعرفون سعة رحمته - تعالى - ونفاذ قدرته ، ولكن هذه البشارة العظيمة - مع تقدم سنى وسن زوجى - هي التي جعلتنى - من شدة الفرح والسرور - أعجب من كمال قدرة الله - تعالى - ، ومن جزيل عطائه ، ومن سابغ مننه ، حيث رزقنى الولد في هذه السن التي جرت العادة بأن لا يكون معها إنجاب أو ولادة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ} (56)

49

فآب إبراهيم سريعا ، ونفى عن نفسه القنوط من رحمة الله :

( قال : ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ? )

وبرزت كلمة " الرحمة " في حكاية قول إبراهيم تنسيقا مع المقدمة في هذا السياق ؛ وبرزت معها الحقيقة الكلية : أنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون . الضالون عن طريق الله ، الذين لا يستروحون روحه ، ولا يحسون رحمته ، ولا يستشعرون رأفته وبره ورعايته . فأما القلب الندي بالإيمان ، المتصل بالرحمن ، فلا ييأس ولا يقنط مهما أحاطت به الشدائد ، ومهما ادلهمت حوله الخطوب ، ومهما غام الجو وتلبد ، وغاب وجه الأمل في ظلام الحاضر وثقل هذا الواقع الظاهر . . فإن رحمة الله قريب من قلوب المؤمنين المهتدين . وقدرة الله تنشيء الأسباب كما تنشيء النتائج ، وتغير الواقع كما تغير الموعود .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ} (56)

فأجابوه مؤكدين لما بشروه به تحقيقًا وبشارة بعد بشارة ، { قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ } وقرأ بعضهم : " القنطين " {[16198]} - فأجابهم بأنه ليس يقنط ، ولكن يرجو من الله الولد ، وإن كان قد كبر وأسنَّت امرأته ، فإنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك .


[16198]:في ت، أ: "المقنطين".

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ} (56)

وقوله : قال وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبّهِ إلاّ الضّالّونَ يقول تعالى ذكره : قال إبراهيم للضيف ومن ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطئوا سبيل الصواب وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله ، ولا يخيب من رجاه ، فضلّوا بذلك عن دين الله .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَمَنْ يَقْنَطُ فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والكوفة : وَمَنْ يَقْنَطُ بفتح النون إلا الأعمش والكسائي فإنهما كسر النون من «يَقْنَطُ » . فأما الذين فتحوا النون منه ممن ذكرنا فإنهم قرءوا : مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا بفتح القاف والنون . وأما الأعمش فكان يقرأ ذلك : «من بعد ما قَنِطُوا » بكسر النون . وكان الكسائي يقرؤه بفتح النون . وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ الحرفين جميعا على النحو الذي ذكرنا من قراءة الكسائي .

وأولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة من قرأ : مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطوا بفتح النون ، «وَمَنْ يَقْنَطُ » بكسر النون ، لإجماع الحجة من القرّاء على فتحها في قوله : مِنْ بعْدِ ما قَنَطُوا فكسرها في «وَمَنْ يَقْنَطُ » أولى إذا كان مجمعا على فتحها في «قَنَطَ » ، لأن فَعَل إذا كانت عين الفعل منها مفتوحة ولم تكن من الحروف الستة التي هي حروف الحلق ، فإنها تكون في «يَفْعِل » مكسورة أو مضمومة فأما الفتح فلا يُعرف ذلك في كلام العرب .