اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ} (56)

قوله : { وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ } هذا استفهام معناه النفي ، ولذلك وقع بعد الإيجاب ب " إلاَ " .

وقرأ أبو عمرو{[19574]} ، والكسائي : " يَقْنِطُ " بكسر عين هذا المضارع حيث وقع ، والباقون بفتحها وزيد بن علي والأشهب بضمها ، وفي الماضي لغتان " قنط " بكسر النون ، " يَقنَطُ " بفتحها ، وقنط " يقْنطُ " بكسرها ، ولولا أن القراءة سنة متبعة ، لكان قياس من قرأ " يقنط " بالفتح أن يقرأ ماضيه " قنِط " بالكسر ، لكنهم أجمعوا على فتحه في قوله تعالى : { مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ } [ الشورى : 28 ] والفتح في الماضي هو الأكثر ، ولذلك أجمع عليه .

قال الفارسي : فتح النون في الماضي ، وكسرها في المستقبل من أعلى اللغات ، ويرجحُ قراءة " يَقْنَطُ " بالفتح قراءة أبي عمرو في بعض الروايات " فلا تكن من القنطين " كفَرِح يفرح فهو فَرِحٌ .

والقُنُوط : شدَّة اليأسِ من الخَيرٍ ، وحكى أبو عبيدة : " قَنُطَ " يَقْنُطُ بضمِّ النون .

قال ابن الخطيب{[19575]} : " وهذا يدلُّ على أنَّ " قَنَطَ " بفتح النون أكثر ؛ لأن المضارع من " فَعَل " يجيء على " يَفْعِلُ ويَفْعُل " مثل : فَسقَ : ويَفْسُقُ ، لا يجيء مضارع فَعَلَ على يَفْعَلُ " .

فصل

جواب إبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه- حق ؛ لأنَّ القنوط من رحمة الله تعالى لا يحصل إلاَّ عند الجهل بأمور :

أحدها : أن يجهل كونه –تعالى- قادراً عليه .

وثانيها : أن يجهل كونه –تعالى- عالماً باحتياج ذلك العبد إليه .

وثالثها : أن يجهل كونه –تعالى- ، منزّهاً عن البخل ، والحاجة .

والجهل بكلِّ هذه الأمور سبب للضَّلالِ ، القُنوط من رحمة الله كبيرة ، كالأمن من مكرهِ .


[19574]:ينظر: السبعة 367، والحجة 367، والتيسير 136 والإتحاف 2/177، 5/447، والدر المصون 4/300.
[19575]:ينظر: الفخر الرازي 19/157.