التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِ ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (53)

ثم وصفهم بالعمى فقال : { وَمَآ أَنتَ بِهَادِ العمي عَن ضَلاَلَتِهِمْ } بسبب فقدهم الانتفاع بأبصارهم ، كما فقدوا الانتفاع ببصائرهم .

{ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } أى : ما تستطيع أن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا { فَهُمْ مُّسْلِمُونَ } أى : منقادون للحق ومتبعون له .

فالآيتان الكريمتان تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما اصابه من هؤلاء المشركين ، وعن إخفاق جهوده مع كثير منهم ، لانطماس بصائرهم ، حيث شبههم - سبحانه - بالموتى وبالصم وبالعمى ، فى عدم انتفاعهم بالوعظ والإِرشاد

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِ ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (53)

33

وعند هذا الحد من تصوير تقلبات البشر وفق أهوائهم ، وعدم انتفاعهم بآيات الله التي يرونها ماثلة في الكون من حولهم ؛ وعدم إدراكهم لحكمة الله من وراء ما يشهدونه من وقائع وأحداث . . عند هذا يتوجه بالخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعزيه عن إخفاق جهوده في هداية الكثير منهم ؛ ويرد هذا إلى طبيعتهم التي لا حيلة له فيها ، وانطماس بصيرتهم وعماها .

( فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ، إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) .

وهو يصورهم موتى لا حياة فيهم ، صما لا سمع لهم ، عميا لا يهتدون إلى طريق . . والذي ينفصل حسه عن الوجود فلا يدرك نواميسه وسننه ميت لا حياة فيه . إنما هي حياة حيوانية ، بل أضل وأقل ، فالحيوان مهدي بفطرته التي قلما تخونه ! والذي لا يستجيب لما يسمع من آيات الله ذات السلطان النافذ في القلوب أصم ولو كانت له أذنان تسمعان ذبذبة الأصوات ! والذي لا يبصر آيات الله المبثوثة في صفحات الوجود أعمى ولو كانت له عينان كالحيوان !

( إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) . .

وهؤلاء هم الذين يسمعون الدعوة ، لأن قلوبهم حية ، وبصائرهم مفتوحة ، وإدراكهم سليم . فهم يسمعون فيسلمون . ولا تزيد الدعوة على أن تنبه فطرتهم فتستجيب .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِ ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (53)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وما أنت} النبي صلى الله عليه وسلم {بهاد العمي} للإيمان يقول: عموا عن الإيمان.

{عن ضلالتهم} كفرهم الذي هم عليه.

ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فمن يسمع الإيمان، فقال سبحانه: {إن تسمع} بالإيمان {إلا من يؤمن بآياتنا} يصدق بالقرآن أنه جاء من الله عز وجل.

{فهم مسلمون} فهم مخلصون بالتوحيد...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَما أنْتَ بِهادِ العُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ" يقول تعالى ذكره: وما أنت يا محمد بمسدّد من أعماه الله عن الاستقامة، وَمَحجة الحقّ، فلم يوفقه لإصابة الرشد، فصارِفه عن ضلالته التي هو عليها، وركوبه الجائر من الطرق، إلى سبيل الرشاد، يقول: ليس ذلك بيدك ولا إليك، ولا يقدر على ذلك أحد غيري، لأني القادر على كل شيء. وقيل: بهادي العمي عن ضلالتهم، ولم يقل: من ضلالتهم. لأن معنى الكلام ما وَصَفْت، من أنه: وما أنت بصارفهم عنه، فحمل على المعنى. ولو قيل: من ضلالتهم كان صوابا. وكان معناه: ما أنت بمانعهم من ضلالتهم.

وقوله: "إنْ تُسْمِعُ إلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بآياتِنا "يقول تعالى ذكره لنبيه: ما تسمع السماع الذي ينتفع به سامعه فيعقله، إلاّ من يؤمن بآياتنا، لأن الذي يؤمن بآياتنا إذا سمع كتاب الله تدبّره وفهمه وعقَله، وعمل بما فيه، وانتهى إلى حدود الله، الذي حدّ فيه، فهو الذي يسمع السماع النافع.

وقوله: "فَهُمْ مُسْلِمُونَ" يقول: فهم خاضعون لله بطاعته، متذللون لمواعظ كتابه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وما أنت بهادي العمى} أي ليس شغلك هداية العميان، فقوله: {إنك لا تسمع الموتى} نفى ذلك عنه.

{إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} لما نفى إسماع الميت والأصم وأثبت إسماع المؤمن بآياته لزم أن يكون المؤمن حيا سميعا، وهو كذلك، لأن المؤمن ترد على قلبه أمطار البراهين فتنبت في قلبه العقائد الحقة، ويسمع زواجر الوعظ فتظهر منه الأفعال الحسنة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما بدأ بفاقد حاسة السمع لأنها أنفع من حيث إن الإنسان إنما يفارق غيره من البهائم بالكلام، أتبعها حاسة البصر مشيراً بتقديم الضمير إلى أنه صلى الله عليه وسلم يجتهد في هدايتهم اجتهاد من كأنه يفعله بنفسه تدريباً لغيره في الاقتصاد في الأمور فقال: {وما أنت بهاد العمي} أي بموجد لهم هداية وإن كانوا يسمعون، هذا في قراءة الجماعة غير حمزة، وجعله حمزة فعلاً مضارعاً مسنداً إلى المخاطب من هدى، فالتقدير: وما أنت تجدد هداية العمي.

{عن ضلالتهم} إذا ضلوا عن الطريق فأبعدوا وإن كان أدنى ضلال -بما أشار إليه التأنيث، وإن أتعبت نفسك في نصيحتهم، فإنهم لا يسلكون السبيل إلا وأيديهم في يدك ومتى غفلت عنهم وأنت لست بقيوم رجعوا إلى ضلالهم، فالمنفي في هذه الجملة في قراءة الجمهور ما تقتضيه الاسمية من دوام الهداية مؤكداً، وفي قراءة حمزة ما يقتضيه المضارع من التجدد وفي التي قبلها ما تقتضيه الفعلية المضارعة من التجدد ما دام مشروطاً بالإدبار، وفي الأولى تجدد السماع مطلقاً فهي أبلغ ثم التي بعدها، فمثول الصنف الأول من لا يقبل الخير بوجه ما مثل أبي جهل وأبيّ بن خلف، والثاني من قد يقارب مقاربة ما مثل عتبة بن ربيعة حين كان يقول لهم: خلو بين هذا الرجل وبين الناس، فإن أصابوه فهو ما أردتم وإلا فعزه عزكم، والثالث المنافقون، وعبر في الكل بالجمع لأنه أنكأ- والله الموفق.

ولما كان ذلك كناية عن إيغالهم في الكفر، بينه ببيان أن المراد موت القلب وصممه وعماه لا الحقيقي بقوله: {إن} أي ما {تسمع إلا من يؤمن} أي يجدد إيمانه مع الاستمرار مصدقاً {بآياتنا} أي فيه قابلية ذلك دائماً، فهو يذعن للآيات المسموعة، و يعتبر بالآيات المصنوعة، وأشار بالإفراد في الشرط إلى أن لفت الواحد عن رأيه أقرب من لفته وهو مع غيره، وأشار بالجمع في الجزاء إلى أن هذه الطريقة إن سلكت كثر التابع فقال: {فهم} أي فتسبب عن قبولهم لذلك أنهم {مسلمون} أي منقادون للدليل غاية الانقياد غير جامدين مع التقليد.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 52]

وعند هذا الحد من تصوير تقلبات البشر وفق أهوائهم، وعدم انتفاعهم بآيات الله التي يرونها ماثلة في الكون من حولهم؛ وعدم إدراكهم لحكمة الله من وراء ما يشهدونه من وقائع وأحداث.. عند هذا يتوجه بالخطاب إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يعزيه عن إخفاق جهوده في هداية الكثير منهم؛ ويرد هذا إلى طبيعتهم التي لا حيلة له فيها، وانطماس بصيرتهم وعماها.

(فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم، إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون).

وهو يصورهم موتى لا حياة فيهم، صما لا سمع لهم، عميا لا يهتدون إلى طريق.. والذي ينفصل حسه عن الوجود فلا يدرك نواميسه وسننه ميت لا حياة فيه. إنما هي حياة حيوانية، بل أضل وأقل، فالحيوان مهدي بفطرته التي قلما تخونه! والذي لا يستجيب لما يسمع من آيات الله ذات السلطان النافذ في القلوب أصم ولو كانت له أذنان تسمعان ذبذبة الأصوات! والذي لا يبصر آيات الله المبثوثة في صفحات الوجود أعمى ولو كانت له عينان كالحيوان!

(إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون)..

وهؤلاء هم الذين يسمعون الدعوة، لأن قلوبهم حية، وبصائرهم مفتوحة، وإدراكهم سليم. فهم يسمعون فيسلمون. ولا تزيد الدعوة على أن تنبه فطرتهم فتستجيب.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

والدلالة على الطريق والهداية إليه لا تتأتى مع العمي، خصوصا إذا أصر الأعمى على عماه، يعني: يأنف أن يستعين بالمبصر، ولو استعان بالناس من حوله لوجدهم خدما له ولصار هو مبصرا ببصرهم.

إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون: وهؤلاء هم أصفياء القلوب والفطرة، الذين يلتفتون إلى كون الله، فيستدلون بالخلق على الخالق، وبالكون على المكون سبحانه.

{يؤمن بآياتنا...: ينظر فيها ويتأملها، ويقف على ما في الكون من عجائب الخلق الدالة على قدرة الخالق، فإذا ما جاءه رسول من عند الله أقبل عليه وآمن به؛ لذلك قال بعدها: فهم مسلمون.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

الشرط الأوّل لإدراك الحقيقة أن يكون للإنسان قلب مهيأ ومستعد، وعين باصرة وأذن سميعة، وإلاّ فلو اجتمع جميع الأنبياء والأولياء وتلوا جميع الآيات الإلهية على من لا يدرك الحقيقة لما اقترفه من الذنوب واللجاجة والعناد، فإنها لن تؤثر فيه!. وإنّما أشار القرآن إلى هاتين الحاستين الظاهرتين، بالإضافة إلى الإدراك الباطني فحسب، فلأجل أن أكثر معلومات الإنسان، إمّا أن يكون عن طريق هاتين الحاستين [العين والأذن]، أو عن طريق الوجدان والتحليل العقلي!

والطريف هنا أنّ المراحل الثلاث الواردة في الآيات الآنفة الذكر هي ثلاث مراحل مختلفة من الانحراف وعدم درك الحقيقة، وهي تبدأ من شديدها وتنتهي بالخفيف منها!

فالمرحلة الأولى: هي موت القلوب المعبر عنها ب «الموتى» وهذه المرحلة ليس للحقيقة أي طريق للنفوذ فيها.

والمرحلة الثّانية: مرحلة «الصمم» وعدم السمع، وبالطبع فإنّ هذه الطائفة ليست كالموتى، فمن الممكن أحياناً أن يتمّ تفهيمهم بالإشارة أو العلامة، إلاّ أنّنا نعرف أن كثيراً من الحقائق لا يمكن بيانها وإيصالها إلى الذهن بالإشارة! وخاصة حين يدير الطرف الآخر ظهره ويكون بعيداً.

المرحلة الثّالثة: (العمى)، وبالطبع فإن الحياة مع العمي أسهل بمراتب من الحياة مع «الصُم» أو الحياة مع «الموتى»، فعلى الأقل لديهم آذان سميعة، ويمكن إيصال كثير من المفاهيم إليهم... لكن أين السمع في إدراك الحقائق من البصر؟!...