التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (9)

ثم بين - سبحانه - الأسباب التى حملت هؤلاء الطغاة على إحراق المؤمنين فقال : { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد . الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } .

والنقمة هنا بمعنى الإِنكار والكراهية . يقال : نقَم فلان هذا الشئ ، - من باب ضرب - إذا كرهه وأنكره .

أى : أن هؤلاء الكافرين ما كرهوا المؤمنين ، وما أنزلوا بهم ما أنزلوا من عذاب ، إلا لشئ واحد ، وهو أن المؤمنين أخلصوا عبادتهم لله - تعالى - صاحب العزة التامة ، والحمد المطلق ، والذى له ملك جميع ما فى السموات والأرض ، وهو - سبحانه - على كل شئ شهيد ورقيب ، لا يخفى عليه أمر من أمور عباده ، أو حال من أحوالهم .

فالمقصود من هاتين الآيتين الكريمتين ، التعجيب من حال هؤلاء المجرمين ، حيث عذبوا المؤمنين ، لا لشئ إلا من أجل إيمانهم بخالقهم ، وكأن الإِيمان فى نظرهم جريمة تستحق الإِحراق بالنار .

وهكذا النفوس عندما يستحوذ عليها الشيطان ، تتحول الحسنات فى نظرها إلى سيئات وقديما قال المنكوسون من قوم لوط - عليه السلام - { أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } والاستثناء فى قوله : { إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله . . . } استثناء مفصح عن براءة المؤمنين مما يعاب وينكر ، فهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم كما فى قول القائل :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم . . . بهن فلول من قراع الكتائب

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { قُلْ ياأهل الكتاب هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } قال الإِمام ابن كثير : وقد اختلفوا فى أهل هذه القصة من هم ؟ فعن على ابن أبى طالب : أنهم أهل فارس حين أراد ملكهم تحليل زواج المحارم ، فامتنع عليه علماؤهم ، فعمد إلى حفر أخدود ، فقذف فيه من أنكر عليه منهم .

وعنه أنهم كانوا قوما من اليمن ، اقتتل مؤمنوهم ومشركوهم ، فتغلب مؤمنوهم على كفارهم ، ثم اقتتلوا فغلب الكفار المؤمنين ، فخذا لهم الأخاديد ، وأحرقوهم فيها .

ثم ذكر - رحمه الله - بعد ذلك جملة من الآثار فى هذا المعنى فارجع إليها إن شئت .

وعلى أية حال فالمقصود بهذه الآيات الكريمة ، تثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإِيمان وتسليتهم عما أصابهم من أعدائهم ، وإعلامهم بأن ما نزل بهم من أذى ، قد نزل ما هو أكبر منه بالمؤمنين السابقين ، فعليهم أن يصبروا كما صبر أسلافهم ، وقد اقتضت سنته - تعالى - أن يجعل العاقبة للمتقين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (9)

وهو وحده الذي له ملك السماوات والأرض وهو يشهد كل شيء وتتعلق به إرادته تعلق الحضور .

ثم هو الشهيد على ما كان من أمر المؤمنين وأصحاب الأخدود . . وهذه لمسة تطمئن قلوب المؤمنين ، وتهدد العتاة المتجبرين . فالله كان شهيدا . وكفى بالله شهيدا .

/خ9

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنّ الّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } .

يقول تعالى ذكره : الذي له سلطان السموات السبع والأرضين وما فيهنّ وَاللّهُ عَلى كُلّ شَيْء شَهِيدٌ يقول تعالى ذكره : والله على فعل هؤلاء الكفار من أصحاب الأخدود بالمؤمنين الذين فتنوهم شاهد ، وعلى غير ذلك من أفعالهم وأفعال جميع خلقه ، وهو مجازيهم جزاءهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (9)

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ} (9)

وجملة : { واللَّه على كل شيء شهيد } تذييل بوعيد للذين اتخذوا الأخدود وبوعد الذين عُذبوا في جنب الله ، ووعيد لأمثال أولئك من كفار قريش وغيرهم من كل من تصدَّوْا لأذى المؤمنين ووعد المسلمين الذين عذبهم المشركون مثل بلاللٍ وعمار وصُهيب وسُمَيَّةَ .