التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ أَضۡعَفُ نَاصِرٗا وَأَقَلُّ عَدَدٗا} (24)

وقوله - سبحانه - : { حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً } تهديد ووعيد للكافرين بسبب استهزائهم بالمؤمنين ، فقد حكى القرآن عن الكفار أنهم قالوا : { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } وقالوا : { متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } و { حتى } هنا حرف ابتداء ، وهى متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام ، وهو سخرية الكافرين من المؤمنين و { إذا } اسم زمان للمستقبل مضمن معنى الشرط ، وهى فى محل نصب بجوابه الذى هو قوله { فَسَيَعْلَمُونَ } .

والمعنى : أن هؤلاء الكفار لا يزالون على ما هم عليه من غرور وعناد وجحود . . حتى إذا رأوا ما يوعدون من العذاب فى الدنيا والآخرة { فَسَيَعْلَمُونَ } حينئذ من هو أضعف جندا وأقل عددا ، أهم المؤمنون - كما يزعم هؤلاء الكافرون - ؟ أم أن الأمر سيكون على العكس ؟ لا شك أن الأمر سيكون على العكس ، وهو أن الكافرين فى هذا اليوم سيكونون فى غاية الضعف والذلة والهوان .

وجئ بالجملة التى أضيف إليها لفظ " إذا " فعلا ماضيا ، للتنبيه على تحقق الوقوع . والآية الكريمة تشير إلى خيبة هؤلاء الكافرين ، وتلاشى آمالهم . . فإنهم فى هذا اليوم سيفقدون الناصر لهم ، كما أنهم سيفقدونه من جهة أنفسهم ، لأنهم مهما كثر عددهم ، فهم مغلوبون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ أَضۡعَفُ نَاصِرٗا وَأَقَلُّ عَدَدٗا} (24)

قل : إني لن يجيرني من الله أحدا ولن أجد من دونه ملتحدا . إلا بلاغا من الله ورسالاته . . . . .

وهذه هي القولة الرهيبة ، التي تملأ القلب بجدية هذا الأمر . . أمر الرسالة والدعوة . . والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يؤمر بإعلان هذه الحقيقة الكبيرة . . إني لن يجيرني من الله أحد ، ولن أجد من دونه ملجأ أو حماية ، إلا أن أبلغ هذا الأمر ، وأؤدي هذه الأمانة ، فهذا هو الملجأ الوحيد ، وهذه هي الإجارة المأمونة . إن الأمر ليس أمري ، وليس لي فيه شيء إلا التبليغ ، ولا مفر لي من هذا التبليغ . فأنا مطلوب به من الله ولن يجيرني منه أحد ، ولن أجد من دونه ملجأ يعصمني ، إلا أن أبلغ وأؤدي !

يا للرهبة ! ويا للروعة ! ويا للجد !

إنها ليست تطوعا يتقدم به صاحب دعوة . إنما هو التكليف . التكليف الصارم الجازم ، الذي لا مفر من أدائه . فالله من ورائه !

وإنها ليست اللذة الذاتية في حمل الهدى والخير للناس . إنما هو الأمر العلوي الذي لا يمكن التلفت عنه ولا التردد فيه !

وهكذا يتبين أمر الدعوة ويتحدد . . إنها تكليف وواجب . وراءه الهول ، ووراءه الجد ، ووراءه الكبير المتعال !

( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا . حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ) .

فهو التهديد الظاهر والملفوف لمن يبلغه هذا الأمر ثم يعصي . بعد التلويح بالجد الصارم في التكليف بذلك البلاغ .

وإذا كان المشركون يركنون إلى قوة وإلى عدد ، ويقيسون قوتهم إلى قوة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] والمؤمنين القلائل معه ، فسيعلمون حين يرون ما يوعدون - إما في الدنيا وإما في الآخرة - ( من أضعف ناصرا وأقل عددا ) . . وأي الفريقين هو الضعيف المخذول القليل الهزيل !

ونعود إلى مقالة الجن فنجدهم يقولون : ( وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا )فنجد التعقيب على القصة يتناسق معها . ونجد القصة تمهد للتعقيب فيجيء في أوانه وموعده المطلوب !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ أَضۡعَفُ نَاصِرٗا وَأَقَلُّ عَدَدٗا} (24)

وقوله : حتى إذَا رأَوْا ما يُوعَدُونَ يقول تعالى ذكره : إذا عاينوا ما يعدهم ربهم من العذاب وقيام الساعة فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أضْعَفُ ناصِرا وأقَلّ عَدَدا أجند الله الذي أشركوا به ، أم هؤلاء المشركون به .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ أَضۡعَفُ نَاصِرٗا وَأَقَلُّ عَدَدٗا} (24)

وقوله { حتى إذا رأوا } ، ساق الفعل في صيغة الماضي تحقيقاً لوقوعه . وقوله تعالى : { من أضعف } يحتمل أن تكون { مَن } في موضع رفع على الاستفهام والابتداء و { أضعف } خبرها ، ويحتمل أن تكون في موضع نصب ب { سيعلمون } ، و { أضعف } خبر لابتداء مضمر .