اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ أَضۡعَفُ نَاصِرٗا وَأَقَلُّ عَدَدٗا} (24)

قوله : { حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ } .

قال الزمخشريُّ : فإن قلت : بم تعلق حتى ، وجعل ما بعده غاية له ؟ .

قلت : بقوله : { يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } على أنهم يتظاهرون عليه بالعداوة ، ويستضعفون أنصاره ، ويستقلون عددهم { حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ } من بوم بدر ، وإظهار الله عليهم ، أو من يوم القيامة { فَسَيَعْلَمُونَ } حينئذٍ { مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً } .

قال : ويجوز أن يتعلق بمحذوف دلت عليه الحال من استضعاف الكفار ، واستقلالهم لعددهم ، كأنه قال لا يزالون على ما هم عليه ، حتى إذا رأوا ما يوعدون ، قال المشركون : متى هذا الوعد ؟ إنكاراً له .

فقال : «قُلْ » : إنه كائن لا ريب فيه .

قال أبو حيان{[58222]} : قوله : بم تعلق ، إن عنى تعلق حرف الجر فليس بصحيح لأنها حرف ابتداءٍ ، فما بعدها ليس في موضع جر خلافاً للزجاج ، وابن درستويه ، فإنهما زعما أنها إذا كان حرف ابتداءٍ فالجملة الابتدائية بعدها في موضع جر ، وإن عنى بالتعلق اتصال ما بعدها بما قبلها وكون ما بعدها غاية لما قبلها ، فهو صحيح ، وأما تقديره : أنها تتعلق بقوله : { يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } فهو بعيد جداً لطول الفصل بينهما بالجمل الكثيرة وقدر بعضهم ذلك المحذوف ، فقال : تقديره : دعهم حتَّى إذا رأوا .

وقال التبريزي : جاز أن يكون غاية لمحذوف ، ولم يبيِّن ما هو .

وقال أبو حيان{[58223]} : «والذي يظهر لي أنها غاية لما تضمنته الجملة التي قبلها من الحكم لكينونة النار لهم كأنه قيل : إن العاصي يحكم له بكينونة النار ، والحكم بذلك هو وعيد حتى إذا رأوا ما حكم بكينونته لهم فسيعلمون » .

قوله : { مَنْ أَضْعَفُ } . يجوز في «مَنْ » أن تكون استفهامية فترفع بالابتداء ، و «أضْعَفُ » خبره ، والجملة في موضع نصب سادَّةٌ مسدَّ المفعولين لأنها معلقة للعلم{[58224]} قبلها .

وأن تكون موصولة ، و «أضعف » خبر مبتدأ مضمر ، أي : هو أضعف ، والجملة صلة وعائدٌ وحسن الحذف طول الصلة بالتمييز ، والموصول مفعول للعلم بمعنى العِرفَان .

قال القرطبي{[58225]} : «حتى » هنا مبتدأ ، أي «حتى أذا رأوا ما يوعدون » من عذاب الآخرة أو ما يوعدون من عذاب الدنيا ، وهو القتل يوم بدر { فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً } . و «مَنْ » يظهر أنها غاية لما تضمنته الجملة التي قبلها من الحكم ، بكينونة النار لهم ، كأنه قيل : إن العاصي أهم أم المؤمنون ؟ و «أقَلُّ عَداداً » معطوف .


[58222]:ينظر: البحر المحيط 8/354.
[58223]:السابق 8/355.
[58224]:في أ: للفعل.
[58225]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 19/18.