التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَـٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ} (60)

ثم أكد - سبحانه - كمال قدرته فقال : { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ } .

و " من " فى قوله - تعالى - { مِنكُمْ } يصح أن تكون للبدلية ، فيكون المعنى : ولو نشاء إهلاككم أيها الكافرون لفعلنا ولجعلنا بدلا منكم ملائكة يخلفونه بعد موتكم ، ولكنا لم نشأ ذلك لحكم نحن نعلمها .

ويصح أن تكون للتبعيض فيكون المعنى : ولو نشاء لجعلنا منكم يا رجل قريش ملائكة ، بطريق التوليد منكم ، من غير واسطة نساء ، فهذا أمر سهل علينا ، مع أنه أعجب من حال عيسى الذى تستغربونه ، لأنه جاء من غير أب ، مع أن الأم من طبيعتها الولادة .

فالمقصود بالآية الكريمة بيان أن قدرة الله - تعالى - لا يعجزها شئ ، وأن ما تعجبو منه ، الله - تعالى - قادر على أن يأتى بما هو أعجب منه .

قال صاحب الكشاف : قوله { وَلَوْ نَشَآءُ } لقدرتنا على خلق عجائب الأمور ، وبدائع الفطر ، { لَجَعَلْنَا مِنكُمْ } أى : لولدنا منكم يا رجال { مَّلاَئِكَةً } يخلفونكم فى الأرض ، كما يخلفكم أولادكم ، كما ولدنا عيسى من أنثى من غير فحل ، لتعرفوا تميزنا بالقدرة الباهرة ، ولتعلموا أن الملائكة أجسام . . . وذات الله - تعالى - متعالية عن ذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَـٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ} (60)

57

واستطرد إلى أسطورتهم حول الملائكة ، يبين لهم أن الملائكة خلق من خلق الله مثلهم . ولو شاء الله لجعل الملائكة يخلفونهم في هذه الأرض ، أو لحول بعض الناس إلى ملائكة يخلفونهم في الأرض :

( ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ) . .

فمرد الأمر إلى مشيئة الله في الخلق . وما يشاؤه من الخلق يكون . وليس أحد من خلقه يمت إليه بنسب ، ولا يتصل به - سبحانه - إلا صلة المخلوق بالخالق ، والعبد بالرب ، والعابد بالمعبود .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَـٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ} (60)

قوله : وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ يقول تعالى ذكره : ولو نشاء معشر بني آدم أهلكناكم ، فأفنينا جميعكم ، وجعلنا بدلاً منكم في الأرض ملائكة يخلفونكم فيها يعبدونني وذلك نحو قوله تعالى ذكره : إنْ يَشأْ يُذْهِبْكُمْ أيّها النّاسُ وَيأْتِ بآخَرِينَ وكانَ اللّهُ على ذلكَ قَدِيرا وكما قال : إنْ يَشأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدكُمْ ما يَشاءُ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، غير أن منهم من قال : معناه : يخلف بعضهم بعضا . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ يقول : يخلف بعضهم بعضا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ قال : يعمرون الأرض بدلاً منكم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : مَلائِكَةً فِي الأرْض يَخْلفُونَ قال : يخلف بعضهم بعضا ، مكان بني آدم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ لو شاء الله لجعل في الأرض ملائكة يخلف بعضهم بعضا .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ قال : خلفا منكم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَـٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ} (60)

{ ولو نشاء لجعلنا منكم } لولدنا منكم يا رجال كما ولدنا عيسى من غير أب ، أو لجعلنا بدلكم . { ملائكة في الأرض يخلفون } ملائكة يخلفونكم في الأرض ، والمعنى أن حال عيسى عليه السلام وإن كانت عجيبة فإنه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك ، وأن الملائكة مثلكم من حيث أنها ذوات ممكنة يحتمل خلقها توليدا كما جاز خلقها إبداعا ، فمن أين لهم استحقاق الألوهية والانتساب إلى الله سبحانه وتعالى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَـٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ} (60)

لما أشارت الآية السابقة إلى إبطال ضلالة الذين زعموا عيسى عليه السلام ابناً لله تعالى ، من قَصره على كونه عبداً لله أنعم الله عليه بالرسالة وأنه عبرة لبني إسرائيل عُقب ذلك بإبطال ما يماثل تلك الضلالة ، وهي ضلالة بعض المشركين في ادعاء بنوة الملائكة لله تعالى المتقدم حكايتها في قوله : { وجَعَلوا له من عباده جُزءاً } [ الزخرف : 15 ] الآيات فأشير إلى أن الملائكة عباد لله تعالى جعَل مكانهم العوالم العليا ، وأنه لو شاء لجعلهم من سكان الأرض بدلاً عن الناس ، أي أن كونهم من أهل العوالم العليا لم يكن واجباً لهم بالذات وما هو إلا وضعٌ بجعل من الله تعالى كما جعل للأرض سكاناً ، ولو شاء الله لعكس فجعل الملائكة في الأرض بدلاً عن الناس ، فليس تشريف الله إياهم بسكنى العوالم العليا بموجب بُنوتهم لله ولا بمقتضضٍ لهم إلهية ، كما لم يكن تشريف عيسى بنعمة الرسالة ولا تمييزُه بالتكوّن من دون أب مقتضياً له إلهاية وإنما هو بجعل الله وخلقه .

وجُعِل شرط { لو } فعلاً مستقبلاً للدلالة على أن هذه المشيئة لم تزل ممكنة بأن يعوِّض للملائكة سكنى الأرض .

ومعنى ( مِن ) في قوله : { منكم } البدلية والعِوَض كالتي في قوله تعالى : { أرَضِيتُم بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة } [ التوبة : 38 ] .

والمجرور متعلق ب ( جعلنا ) ، وقُدّم على مفعول الفعل للاهتمام بمعنى هذه البَدَلية لتتعمق أفهام السامعين في تدبرها .

وجملة { في الأرض يخلفون } بيان لمضمون شبه الجملة إلى قوله : { منكم } وحذف مفعول { يخلفون } لدلالة { منكم } عليه ، وتقديم هذا المجرور للاهتمام بما هو أدل على كون الجملة بياناً لمضمون { منكم } . وهذا هو الوجه في معنى الآية وعليه درج المحققون . ومحاولة صاحب « الكشاف » حمل { منكم } على معنى الابتدائية والاتصال لا يلاقي سياق الآيات .