تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَـٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ} (60)

الآية 60 وقوله تعالى : { ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة } على وجهين :

أحدهما : أي لو نشاء لجعلنا من جوهركم وجنسكم ملائكة ليُعلم أن إنشاء الملائكة من النور على ما ذكر ليس ذلك منه استعانة بذلك النور لإنشاء الملائكة منه [ لأنه ]{[19000]} قادر بذاته ، ولا يُعجزه شيء ؛ يُنشئ ما يشاء ممّا شاء ، وكيف شاء .

والثاني : أي لو نشاء لجعلنا الملائكة بدلا منكم نُهلككم ، ونبدّل مكانكم ملائكة ، لا يعصون ، ولا يخالفون ، ولا يفترون عن العبادة ، ولا يستحسرون .

لكن لم يفعل ذلك لما ليس في عصيان من عصاه ولا مخالفة من خالفه له ضرر ، ولا بطاعة من أطاعه ، واتبع أمره ، ونهيه نفع ، ولا أنشأ هذا العالم والخلق لحاجة نفسه ولا امتحنهم بأنواع المحن لمنفعة نفسه ولا لمضرّة يدفع بذلك عن نفسه ، ولكن أنشأهم ، وامتحنهم لحاجة أنفسهم .

فإذا كان ما ذكرنا كان إنشاء ما يعلم أنه يعصيه ، ولا يُطيعه حكمة وفعل من يعمل في الشاهد أنه يضرّه ، ولا ينفعه سفها{[19001]} لأنه إنما يفعل ما يفعل لحاجة نفسه ، فصار فعله مع علمه ما ذكرنا ، يكون سفها ، فافترق الأمران ، والله الموفّق .

ثم قوله : { ملائكة في الأرض يخلُفون } يحتمل وجهين :

أحدهما : [ أي يخلُف ]{[19002]} الملائكة بعضهم بعضا قرنا عن قرن بالتناسل والتوالد كالبشر يخلُف بعض بعضا قرنا عن قرن بالتناسل والتوالد ؛ إذ ليس في الملائكة توالد وتناسل .

والثاني : { يخلُفون } أي يكونون خلَفا وبدلا عنكم بعد هلاككم على ما ذكرنا ، والله أعلم .


[19000]:ساقطة من الأصل وم.
[19001]:في الأصل وم: سفه.
[19002]:من م، في الأصل: يختلف.