البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَـٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ} (60)

{ ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة من الأرض } ، قال بعض النحويين : من تكون للبدل ، أي لجعلنا بدلكم ملائكة ، وجعل من ذلكم قوله تعالى : { أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة } أي بدل الآخرة ، وقول الشاعر :

أخذوا المخاض من الفصيل غلية *** ظلماً ويكتب للأمير أفالا

أي بدل الفصيل ، وأصحابنا لا يثبتون لمن معنى البدلية ، ويتأولون ما ورد ما يوهم ذلك .

قال ابن عطية : لجعلنا بدلاً منكم .

وقال الزمخشري : ولو نشاء لقدرتنا على عجائب الأمور وبدائع الفطر ، لجعلنا منكم : لولدنا منكم يا رجال ملائكة يخلفونكم في الأرض ، كما يخلفكم أولادكم ؛ كما ولدنا عيسى من أنثى من غير فحل ، لتعرفوا تميزنا بالقدرة الباهرة ، ولتعلموا أن الملائكة أجسام لا تتولد إلا من أجسام ، وذات القديم متعالية عن ذلك .

انتهى ، وهو تخريج حسن .

ونحو من هذا التخريج قول من قال : لجعلنا من الأنس ملائكة ، وإن لم تجر العادة بذلك .

والجواهر جنس واحد ، والاختلاف بالأوصاف .

{ يخلفون } ، قال السدي : يكونون خلفاءكم .

وقال قتادة : يخلف بعضهم بعضاً .

وقال مجاهد : في عمارة الأرض .

وقيل : في الرسالة بدلاً من رسلكم .