التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ} (2)

واسم الإِشارة فى قوله - سبحانه - : { تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم } يعود إلى آيات القرآن الكريم ، ويندرج فيها آيات السور التى معنا .

والمراد بالكتاب : القرآن الكريم على الصحيح . لأنه هو المتحدث عنه .

قال الآلوسى : وأما حمله على الكتب التى خلت قبل القرآن . . فهو فى غاية البعد ، والحكيم - بزنة فعيل - مأخوذ من الفعل حكم بمعنى منع ، تقول : حكمت الفرس ، إذا وضت الحكمة فى فمها لمنعها من الجموح والشرود .

والمقصود ، أن هذا القرآن ممتنع أن يتطرق إليه الفساد ، ومبرأ من الخلل والتناقض والاختلاف .

قال الإِمام الرازى ما ملخصه : وفى وصف الكتاب بكونه حكيما وجوه ، منها : أن الحكيم هو ذو الحكمة ، بمعنى اشتماله على الحكمة ، فيكون الوصف للنسبة كلابن وتامر . ومنها أن الحكيم بمعنى الحاكم ، بدليل قوله - تعالى - : { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكتاب بالحق لِيَحْكُمَ بَيْنَ الناس فِيمَا اختلفوا فِيهِ } ومنها أن الحكيم بمعنى المحكم . . " أى المبرأ من الكذب والتناقض " .

والمعنى : تلك الآيات السامية ، المنزلة عليك يا محمد ، هى آيات الكتاب ، المشتمل على الحكمة والصواب ، المحفوظ من كل تحريف أو تبديل الناطق بكل ما يوصل إلى الدنيوية والأخروية .

وصحت الإِشارة إلى آيات الكتاب مع أنها لم تكنقد نزلت كلها لأن الإِشارة إلى بعضها كالإِشارة إلى جميعها ، حيث كانت بصدد الإِنزال ، ولأن الله - تعالى - قد وعد رسوله صلى الله عليه وسلم بنزول القرآن عليه ، كما فى قوله - تعالى - : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } ووعد الله - تعالى - لا يتخلف .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ} (2)

ألم . تلك آيات الكتاب الحكيم . هدى ورحمة للمحسنين ، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، وهم بالآخرة هم يوقنون . أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون . .

الافتتاح بالأحرف المقطعة . ( ألف . لام . ميم )والإخبار عنها بأنها : ( تلك آيات الكتاب الحكيم )للتنبيه إلى أن آيات الكتاب من جنس تلك الأحرف - على نحو ما تقدم في السور المبدوءة بالأحرف - واختيار وصف الكتاب هنا بالحكمة ، لأن موضوع الحكمة مكرر في هذه السورة ، فناسب أن يختار هذا الوصف من أوصاف الكتاب في جوه المناسب على طريقة القرآن الكريم . ووصف الكتاب بالحكمة يلقي عليه ظلال الحياة والإرادة ، فكأنما هو كائن حي متصف بالحكمة في قوله وتوجيهه ، قاصد لما يقول ، مريد لما يهدف إليه . وإنه لكذلك في صميمه . فيه روح . وفيه حياة . وفيه حركة . وله شخصية ذاتية مميزة . وفيه إيناس . وله صحبة يحس بها من يعيشون معه ويحيون في ظلاله ، ويشعرون له بحنين وتجاوب كالتجاوب بين الحي والحي ، وبين الصديق والصديق !