التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطٗاۚ وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (86)

وَإِسْمَاعِيلَ واليسع وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العالمين } .

وقد ذكر الله فى هذه الآيات أربعة عشر نبيا وهم :

1 - داود بن يسى من بط يهوذا من بنى إسرائيل وكانت ولادته فى بيت لحم سنة 1085 ق . م تقريبا وهو الذى قتل جالوت كما جاء فى القرآن الكريم { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ الله الملك والحكمة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ } وكانت وفاته سنة 1000 ق . م تقريبا .

2 - سليمان بن داود - عليهما السلام - ولد بأورشليم حوالى سنة 1043 ق . م وتوفى سنة 975 ق . م . وقد جاء ذكر داود وسليمان فى كثير من آيات القرآن الكريم ، ومن ذلك قوله - تعالى -

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الحمد لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا على كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ المؤمنين } 3 - أيوب ، قال ابن جرير : هو ابن موصى بن روم بن عيص بن إسحاق ، وروى الطبرانى أن مدة عمره كانت ثلاثة وتسعين سنة .

4 - يوسف وهو ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليه السلام - وكانت ولادته قبل ميلاد عيسى - عليه السلام - بألفى سنة تقريبا .

5 - موسى وهو ابن عمران بن يصهر بن ماهيث بن لاوى بن يعقوب وكانت ولادته حوالى القرن الرابع عشر ق . م .

6 - هارون وهو أخو موسى لأمه وقيل لأبيه وأمه ، وقيل مات قبيل موسى بزمن يسير .

7 - زكريا وهو ابن أزن بن بركيا ويتصل نسبه بسليمان - عليه السلام - وكان قريب العهد بعيسى حيث تولى كفالة أمه مريم كما جاء فى القرآن الكريم { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } 8 - يحيى وهو ابن زكريا .

9 - عيسى وهو ابن مريم . قال ابن كثير . وفى ذكر عيسى فى ذرية إبراهيم أو نوح دلالة على دخول ولد البنات فى ذرية الرجل ، لأن انتساب عيسى ليس إلا من جهة أم مريم .

10 - الياس وهو ابن فنحاص بن العيزار بن هارون أخى موسى وهو المعروف فى كتب الإسرائيليين باسم " إيليا " وقد أرسله الله إلى بنى إسرائيل حين عبدوا الأوثان قال - تعالى - { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المرسلين إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخالقين } ويقال إنه كان موجوداً فى زمن الملك " آخاب " ملك بنى إسرائيل فى حوالى سنة 918 ق . م .

11 - إسماعيل وهو الابن الأكبر لإبراهيم - عليهما السلام - وجد محمد صلى الله عليه وسلم .

12 - اليسع وهو ابن شافاط وكانت وفاته حوالى سنة 840 ق . م ودفن بالسامرة .

13 - يونس وهو ابن متى أرسله الله إلى أهل نينوى من بلاد أشور فى حوالى القرن الثامن ق . م .

14 - لوط وهو ابن هاران بن تارح فهو ابن أخى إبراهيم وكانت رسالته إلى أهل سدوم من شرق الأردن .

وقوله { وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العالمين } أى : وكل واحد من هؤلاء الأنبياء المذكورين لا بعضهم دون بعض فضلناه بالنبوة على العالمين من أهل عصره .

قال الجمل : اعلم أن الله - تعالى - ذكر هنا ثمانية عشر نبياً من غير ترتيب لا بحسب الزمان ولا بحسب الفضل لأن الواو لا تقتضى الترتيب ، ولكن هنا لطيفة فى هذا الترتيب وهى أن الله - تعالى - خص كل طائفة من الأنبياء بنوع من الكرامة والفضل . فذكر أولا نوحاً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب لأنهم أصول الأنبياء وإليهم يرجع حسبهم جميعاً . ثم من المراتب المعتبرة بعد النبوة الملك والقدرة والسلطان وقد أعطى الله من ذلك داود وسليمان حظاً وافراً .

ومن المراتب الصبر عند نزول البلاء والمحن والشدائد وقد خص الله بهذه أيوب . ثم عطف على هاتين المرتبتين من جمع بينهما وهو يوسف فإنه صبر على البلاء والشدة إلى أن آتاه الله ملك مصر مع النبوة ، ثم من المراتب المعتبرة فى تفضيل الأنبياء كثرة المعجزات وقوة البراهين وقد خص الله موسى وهارون من ذلك بالحظ الوافر ، ومن المراتب المعتبرة الزهد فى الدنيا وقد خص الله بذلك زكريا ويحيى وعيسى وإلياس ، ثم ذكر الله بعد هؤلاء الأنبياء من لم يبق له أتباع ولا شريعة وهم إسماعيل واليسع ويونس ولوط فإذا اعتبرنا هذه اللطيفة كان هذا الترتيب حسناً والله أعلم بمراده وأسرار كتابه .

ومن المعروف أن الأنبياء الذين يجب الإيمان بهم على التفصيل خمسة وعشرون نبياً . وهم هؤلاء الثمانى عشرة الذين ذكروا فى هذه الآيات ، يضاف إليهم سبعة نظمهم الناظم فى قوله :

حتم على كل ذى التكليف معرفة . . . بأبنياء على التفصيل قد علموا

فى تلك حجتنا منهم ثمانية . . . من بعد عشر ويبقى سبعة وهم

إدريس ، هود ، شعيب ، صالح وكذا . . . ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطٗاۚ وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (86)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاّ فَضّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } . .

يقول تعالى ذكره : وهدينا أيضا من ذرّية نوح إسماعيل ، وهو إسماعيل بن إبراهيم والليسع : هو اليسع بن أخطوب بن العجوز .

واختلف القرّاء في قراءة اسمه ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق : واليَسَعَ بلام واحدة مخففة . وقد زعم قوم أنه «يفعل » ، من قول القائل : وَسِعَ يَسَعُ ، ولا تكاد العرب تُدخِلُ الألف واللام على اسم يكون على هذه الصورة ، أعني : على «يَفْعل » ، لا يقولون : رأيت اليزيد ، ولا أتاني التجيب ، ولا مررت باليشكر ، إلا في ضرورة شعر ، وذلك أيضا إذا تُحُرّي به المدح ، كما قال بعضهم :

وَجَدْنا الوَلِيدَ بْنَ اليَزِيدَ مُبارَكا ***شَدِيدا بأعْباءِ الخِلاَفَةِ كاهِلُهْ

فأدخل في «اليزيد » الألف واللام ، وذلك لإدخاله إياهما في الوليد ، فأتبعه اليزيد بمثل لفظه .

وقرأ ذلك جماعة من قرّاء الكوفيين : واللّيْسَعَ بلامين وبالتشديد ، وقالوا : إذا قرىء كذلك كان أشبه بأسماء العجم . وأنكروا التخفيف وقالوا : لا نعرف في كلام العرب اسما على «يفعل » فيه ألف ولام .

والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بلام واحدة مخففة ، لإجماع أهل الأخبار على أن ذلك هو المعروف من اسمه دون التشديد ، مع أنه اسم أعجميّ فينطق به على ما هو به . وإنما لا يستقيم دخول الألف واللام فيما جاء من أسماء العرب على «يفعل » ، وأما الاسم الذي يكون أعجميّا فإنما ينطق به على ما سموا به ، فإن غُير منه شيء إذا تكلمت العرب فإنما يغير بتقويم حرف منه من غير حذف ولا زيادة فيه ولا نقصان ، واللّيسع إذا شدّد لحقته زيادة لم تكن فيه قبل التشديد . وأخرى أنه لم يحفظ عن أحد من أهل العلم علمنا أنه قال : اسمه «ليسع » ، فيكون مشدّدا عند دخول الألف واللام اللتين تدخلان للتعريف ويُونُسَ هو يونس بن متى ولُوطا وكلاّ فَضّلْنا من ذرية نوح ونوحا ، لهم بيّنا الحقّ ووفقناهم له . وفضلنا جميعهم عَلى العَالَمِينَ يعني : على عالم أزمانهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطٗاۚ وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (86)

وإسماعيل هو أكبر ولدي إبراهيم عليه السلام وهو من هاجر . [ واليسع ] قال زيد بن أسلم : وهو يوشع بن نون ، وقال غيره : هو أليسع بن أخطوب بن العجوز ، وقرأ جمهور الناس «وأليسع » وقرأ حمزة والكسائي «والليسع » كأن الألف واللام دخلت على فيعل ، قال أبو علي الفارسي : فالألف واللام في «اليسع » زائدة لا تؤثر معنى تعريف لأنها ليست للعهد كالرجل والغلام ولا للجنس كالإنسان والبهائم ولا صفة غالبة كالعباس والحارث ، لأن ذلك يلزم عليه أن يكون «اليسع » فعلاً ، وحينئذ يجري صفة . وإذا كان فعلاً وجب أن يلزمه الفاعل ووجب أن يحكى إذ هي جملة ولو كان كذلك لم يجز لحاق اللام له إذ اللام لا تدخل على الفعل فلم يبق إلا أن تكون الألف واللام زائدة كما هي زائدة في قولهم :«الخمسة عشر درهماً » ، وفي قول الشاعر : [ الرجز ]

*يا ليت أمَّ العمرِ كَانَتْ صَاحبي*{[1]}

بالعين غير منقوطة ، وفي قوله : [ الطويل ]

وَجَدْنَا الوليدَ بْنَ اليزيدِ مُبَارَكاً . . . شديداً بأعباءِ الخلافةِ كاهِلُهْ{[2]}

قال : وأما الليسع فالألف واللام فيه بمنزلتها في الحارث والعباس لأنه من أبنية الصفات ، لكنها بمنزلة «اليسع » في أنه خارج عما عليه الأسماء الأعجمية إذ لم يجىء فيها شيء هو على هذا الوزن كما لم يجىء منها شيء فيه لام تعريف فهما من الأسماء الأعجمية إلا أنهما مخالفات للأسماء فيما ذكر .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وأما ( اليزيد ) فإنه لما سمي به أزيل منه معنى الفعل وأفردت فيه الاسمية فحصل علماً وزيدت فيه الألف واللام لا لتعريف ، وقال الطبري دخلت الألف واللام إتباعاً للفظ الوليد ، { ويونس } هو ابن متَّى ويقال يونس ويونَس ويونُس وكذلك يوسِف ويوسَف ويوسُف{[3]} وبكسر النون من يونِس والسين من يوسِف قرأ الحسن وابن مصرف وابن وثاب وعيسى بن عمر والأعمش في جميع القرآن و { العالمين } معناه عالمي زمانهم .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.