التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ} (25)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله : { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ

والإِياب مأخوذ من الأوب بمعنى الرجوع إلى المكان الذى كان فيه قبل ذلك . والمراد به هنا : الرجوع إلى الله - تعالى - يوم القيامة للحساب والجزاء .

أى : داوم - أيها الرسول الكريم - على تذكير الناس بدعوة الحق ، بدون إجبار لهم ، أو تسلط عليهم ، واتركهم بعد ذلك وشأنهم . . فإن إلينا وحدنا رجوعهم بعد الموت لا إلى أحد سوانا ، ثم إن علينا وحدنا - أيضا - حسابهم على أعمالهم ، ومجازاتهم عليها بالجزاء الذى نراه مناسبا لهم .

وصدر - سبحانه - الآيتين بحرف التأكيد " إن " وعطف الثانية على الأولى بحرف " ثم " المفيد للتراخى فى الرتبة ، وقدم خبر " إن " فى الجلمتين على اسمها . . لإِفادة التهديد والوعيد ، وتأكيد أن رجوعهم إليه - تعالى - أمر لا شك فيه وإن حسابهم يوم القيامة سيكون حسابا عسيرا ، لأنه صادر عمن لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ} (25)

وقوله : إنّ إلَيْنا إيابَهُمْ يقول : إن إلينا رجوع من كفر ومعادهم ثُمّ إنّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ يقول : ثم إن على الله حسابه ، وهو يجازيه بما سلف منه من معصية ربه ، يُعْلِمُ بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنه المتولي عقوبته دونه ، وهو المجازي والمعاقِب ، وأنه الذي إليه التذكير وتبليغ الرسالة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إلاّ مَنْ تَوَلّى وكَفَرَ قال : حسابه على الله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إنّ إِلَيْنا إيابَهُمْ ثُمّ إنّ عَلَيْنا حِسابِهُمْ يقول : إن إلى الله الإياب ، وعليه الحساب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ} (25)

إن إلينا إيابهم رجوعهم وقرىء بالتشديد على أنه فيعلل مصدر فيعل من الإياب أو فعال من الأوب قلبت واوه الأولى قلبها في ديوان ثم الثانية للإدغام .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ} (25)

تعليل لجملة : { لست عليهم بمصيطر } [ الغاشية : 22 ] ، أي لست مكلفاً بجبرهم على التذكر والإِيمان لأنا نحاسبهم حين رجوعهم إلينا في دار البقاء . وقد جاء حرف { إنَّ } على استعماله المشهور ، إذا جيء به لمجرد الاهتمام دونَ ردّ إنكار ، فإنه يفيد مع ذلك تعليلاً وتسبباً كما تقدم غير مرة ، وتقدم عند قوله : { إنك أنت العليم الحكيم } في سورة البقرة ( 32 ) .

والإِياب : بتخفيف الياء الأوب ، أي الرجوع إلى المكان الذي صدر عنه . أطلق على الحضور في حضرة القُدس يوم الحشر تشبيهاً له بالرجوع إلى المكان الذي خرج منه بملاحظة أن الله خالقُ الناس خلْقَهم الأول ، فشبهت إعادة خلقهم وإحضارهم لديه برجوع المسافر إلى مقره كما قال تعالى : { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك } [ الفجر : 27 ، 28 ] .

وتقديم خبر { إنَّ } على اسمها يظهر أنه لمجرد الاهتمام تحقيقاً لهذا الرجوع لأنهم ينكرونه ، وتنبيهاً على إمكانه بأنه رجوع إلى الذي أنشأهم أول مرة .

ونُقل الكلام من أسلوب الغيبة في قوله : { فيعذبه اللَّه } [ الغاشية : 24 ] إلى أسلوب التكلم بقوله : { إلينا } على طريقة الالتفات .

وقرأ أبو جعفر { إيَّابهم } بتشديد الياء . فعن ابن جني هو مصدر على وزن فِيعَال مصدر : ايَّب بوزن فَيْعَل من الأوب مثل حَوْقَل . فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فقيل : إيَّاب .