اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ} (25)

قوله : { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ } ، أي : رجوعهم بعد الموت : والعامة : على تخفيف الياء ، مصدر : آب ، يئوب ، إياباً ، أي : رجع ، كقام يقوم قياماً ؛ قال عبيدٌ : [ مخلع البسيط ]

5188- وكُلُّ ذِي غِيْبَةٍ يَئُوبُ *** وغَائِبُ المَوْتِ لا يَئُوبُ{[60028]}

وقرأ أبو جعفر{[60029]} وشيبة بتشديدها .

قال أبو حاتمٍ : لا يجوز التشديد ، ولو جاز جاز مثله في الصيام والقيام .

وقيل : لغتان بمعنى .

قال شهابُ الدين{[60030]} : وقد اضطربت فيها أقوال التصريفيّين .

فقيل : هو مصدر ل «أيَّبَ » على وزن «فَيْعَل » ك «بَيْطَر » يقال منه : «أيَّبَ يُؤيبُ إيَّاباً » والأصل : أيْوبَ يُؤيوبٌ إيواباً ك «بَيْطَرَ يُبَيْطِرُ » ، فاجتمعت الواو والياء في جميع ذلك ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء المزيدة فيها ، ف «إيَّابَ » على هذا «فِيعَال » .

وقيل : بل هو مصدر ل «أوَّبَ » بزنة «فَوْعَلَ » ك «حَوْقَلَ » ، والأصل : «إوْوَاب » بواوين ، الأولى : زائدة ، والثانية : عين الكلمة ، فسكنت الأولى بعد كسرة ، فقلبت ياء ، فصارت : «إيواباً » ، فاجتمعت ياء وواو ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت في الياء بعدها ، فوزنه «فِيعَال » ك «حِيقَال » ، والأصل : «حِوقَال » .

وقيل : بل هو مصدر ل «أوَّبَ » ، على وزن «فَعْوَل » ، ك «جَهْور » ، والأصل : «إوْوَاب » على ومن «فِعْوَال » ، ك «جِهْوَار » ، والأولى عين الكلمة ، والثانية زائدة ، وفعل به ما فعل بما قبله من القلب والإدغام ، للعلل المتقدمة ، وهي مفهومة مما مرَّ .

فإن قيل : الإدغام مانعٌ من قلب الواو ياء .

قيل : إنما يمنع إذا كانت الواو والياء عينان ، وقد عرفت أن الياء في «فَيْعَل » ، والواو في «فَوْعَل ، وفَعْوَل » زائدتان .

وقيل : بل هو مصدر ل «أوَّبَ » بزنة : «فعَّل » نحو : «كذَّبَ كِذَّاباً » ، والأصل : «إوَّاب » قلبت الواو الأولى ياء لانكسار ما قبلها ، فقيل : «إيواباً » .

قال الزمخشريُّ{[60031]} : كديوان في «دِوَّان » ، ثم فعل به ما فعل ب «سيِّد وميِّت » ، يعني أصله : سَيْود ، فقلبت وأدغم ، وإلى هذا نحا أبو الفضل أيضاً .

إلاَّ أن أبا حيَّان ردَّ ما قالاه{[60032]} : بأنهم نصُّوا على أن الواو الموضوعة على الإدغام وجاء ما قبلها مكسوراً ، فلا تقلب الواو الأولى ياء لأجل الكسرة ، قال : ومثلوا بنفس «إوَّاب » مصدر : «أوَّبَ » مشدداً ، وب «اخرواط » ، مصدر «اخروَّطَ » قال : وأما تشبيه الزمخشري ب «ديوان » ، فليس بجيد ؛ لأنهم لم ينطقوا بها الوضع مدغمة ، ولم يقولوا : «دوان » ، ولولا الجمع على : «دواوين » لم يعلم أن أصل هذه الياء واو ، وقد نصوا على شذوذ : «ديوان » ، فلا يقاس عليه غيره .

قال شهاب الدين{[60033]} : أما كونهم لم ينطقوا ب «دوان » ، فلم يلزم منه رد ما قاله الزمخشري ، ونص النحاة على أن أصل «ديوان » : «دِوَّان » ، و «قيراط » : «قِرَّاط » بدليل الجمع على «دواوين وقراريط » وكونه شاذًّا لا يقدح ؛ لأنه لم يذكره مقيساً عليه ، بل منظراً به .

وذهب مكي إلى نحو من هذا ، فقال : وأصل الياء : واو ، ولكن انقلبت ياء لانكسار ما قبلها ، وكان يلزم من شدد أن يقول : إوَّابهم ؛ لأنه من الواو ، أو يقول : إيوابهم ، فيبدل من الأول المشدد ياء ، كما قالوا «ديوان » وأصله : «دوان » . انتهى .

وقيل : هو مصدر ل «أوَّب » بزنة : «أكْرمَ » من الأوب ، والأصل «إواب » ، ك «إكرام » ، فأبدلت الهمزة الثانية ياء لسكونها بعد همزة مكسورة ، فصار اللفظ «إيواباً » ، اجتمعت الواو والياء على ما تقدم فقلب وأدغم ، ووزنه : «إفْعَال » وهذا واضح .

وقال ابن عطية في هذا الوجه{[60034]} : سهلت الهمزة وكان الإدغام يردها «إواباً » لكن استحسنت فيه الياء على غير قياس . انتهى .

وهذا ليس بجيد ، لما عرفت من أنه لما قلبت الهمزة ياء ، فالقياس أن تفعل ما تقدم منقلب الواو إلى الياء من دون عكس .

قال شعاب الدين{[60035]} : «وإنَّما ذكرت هذه الأوجه مشروحة ، لصعوبتها ، وعدم من يمعن النظر في مثل هذه المواضع القلقةِ ، وقدم الخبر في قوله : «إلَيْنَا ، وعَلَيْنَا » مبالغة في التشديد في الوعيد » . والله أعلم .


[60028]:تقدم.
[60029]:ينظر: الكشاف 4/745، والمحرر الوجيز 5/475، والبحر المحيط 8/460، والدر المصون 5/515.
[60030]:الدر المصون 5/515.
[60031]:الكشاف 4/745.
[60032]:البحر المحيط 8/460.
[60033]:الدر المصون 6/515.
[60034]:المحرر الوجيز 5/475.
[60035]:ينظر: الدر المصون 6/516.