قول : { إِيَابَهُمْ } : العامَّةُ على تخفيفِ الياءِ ، مصدرِ آبَ يَؤُوبُ إياباً [ والأصلُ : أوَب يَأوُبُ إواباً ] ، أي : رَجَعَ ك قام يقوم قياماً . وقرأ شيبة وأبو جعفر بتشديدها . وقد اضطربَتْ فيها أقوالُ التصريفيين ، فقيل : هو مصدرٌ ل أَيَّبَ على وزن فَيْعَل كبَيْطَرَ ، يُقالُ منه : أيَّبَ يُؤَيِّبُ إيَّاباً ، والأصلُ/ أيْوَبَ يِؤَيْوِبُ إيْواباً كبَيْطَرَ يُبَيْطرُ ، فاجتَمَعَتْ الياءُ والواوُ في جميع ذلك ، وسَبَقَتْ إحداهما بالسكونِ ، فقُلِبَتْ الواوُ ياءً ، وأُدغِمت الياءُ المزيدةُ فيها ، فإيَّاب على هذا فِيْعال . وقيل : بل هو مصدرٌ ل أَوّبَ بزنةِ فَوْعَل كحَوْقَلَ ، والأصل : إِوْوَاب بواوَيْن ، الأولى زائدةٌ ، والثانيةُ عينُ الكلمةِ ، فسَكَنَتِ الأولى بعد كسرةٍ ، فقُلِبت ياءً ، فصار إيْواباً ، فاجتمعَتْ ياءٌ وواوٌ ، وسَبَقَتْ إحداهما بالسكون ، فقُلِبَتْ الواوُ ياءً ، وأُدْغِمَتْ في الياءِ بعدها ، فوزنُه فِيعال كحِيْقال ، والأصلُ : حِوْقال . وقيل : بل هو مصدرٌ ل أَوَّبَ على وزن فَعْوَل كجَهْور ، والأصلُ : إِوْوَاب على وزن فِعْوال ، ك " جِهْوار " الأولى عينُ الكلمةِ ، والثانيةُ زائدةٌ ، وفُعِل به ما فُعِل بما قبلَه مِنْ القلبِ والإِدغام للعللِ المتقدمةِ ، وهي مفهومةٌ مِمَّا مَرَّ ، فإن قيل : الإِدغامُ مانعٌ مِنْ قَلْبِ الواوِ ياءً . قيل إنما يمنعُ إذا كانت الواوُ والياءُ عيناً وقد عَرَفْتَ أنَّ الياءَ في فَيْعَل والواوَ في فَوْعَل وفَعْوَل زائدتان . وقيل : بل هو مصدرٌ ل أَوَّب بزنةِ فَعَّلَ نحو : كِذَّاباً والأصلُ إوَّاب ، ثم قُلِبَتِ الواوُ الأولى ياءً لانكسارِ ما قبلَها فقيلَ : إيْواباً . قال الزمخشري : " كدِيْوان في دِوَّان ، ثم فُعِلَ به ما فُعِلَ بسَيِّد " يعني أنَّ أصلَه سَيْوِد ، فقُلِبت وأُدْغِمت ، وإلى هذا نحا أو بالفضل أيضاً .
إلاَّ أن الشيخ قد رَدَّ ما قالاه : بأنهم نَصُّوا : على أنَّ الواوَ الموضوعةَ على الإِدغامِ لا تَقْلِبُ الأولى ياءً ، وإن انكسَرَ ما قبلها قال : " وَمَّثلوا بنفس " إوَّاب " مصدرَ أوَّب مشدداً ، وباخْرِوَّاط مصدرَ اخْرَوَّط . قال : " وأمَّا تشبيهُ الزمخشريِّ بديوان فليس بجيدٍ ؛ لأنَّهم لم يَنْطِقوا بها في الوَضْعِ مُدْغمةً ، ولم يقولوا : دِوَّان ، ولولا الجَمْعُ على " دَواوين " لم يُعْلَمْ أنَّ أصلَ هذه الياءِ واوٌ ، وقد نَصُّوا على شذوذِ " دِيْوان " فلا يُقاسُ عليه غيرُه " .
قلت : أمَّا كونُهم لم يَنْطِقوا بدِوَّان فلا يَلْزَمُ منه رَدُّ ما قاله الزمخشريُّ ، ونَصَّ النحاةُ على أنَّ أصلَ " دِيْوان " دِوَّان ، و " قيراط " : قِرَّاط ، بدليلِ الجَمْعِ على دَواوين وقَرارِيط ، وكونُه شاذاً لا يَقْدَحُ ؛ لأنه لم يَذْكُرْه مَقيساً عليه بل مَنَظِّراً به .
وقد ذهب مكي إلى نحوٍ مِنْ هذا فقال : " وأصل الياءِ واوٌ ، ولكنْ انقلبَتْ ياءً لانكسارِ ما قبلها ، وكان يَلْزَمُ مَنْ شَدَّد أَنْ يقولَ : إوَّابَهم لأنَّه مِنْ الواو ، أو يقول : إيوابهم ، فيُبْدِلُ مِنْ أول المشدد ياءً كما قالوا : " دِيْوان " والأصلُ : دِوَّان " انتهى .
وقيل : هو مصدرٌ لأَأْوَبَ بزنة أَكْرَم مِنْ الأَوْب ، والأصلُ : إأْواب كإكْرام ، فأُبْدِلَتِ الهمزةُ الثانية ل إأْواب ياءً لسكونِها بعد همزةٍ مكسورةٍ فصار اللفظُ إيواباً فاجتمعت الياءُ والواوُ على ما تقدَّم ، فقُلِبَ وأُدْغِمَ ، ووزنُه إفْعال ، وهذا واضحٌ .
وقال ابن عطية في هذا الوجه : " سُهِّلَتِ الهمزةُ وكان الواجبُ في الإِدغامِ بردِّها إوَّاباً ، لكن اسْتُحْسِنَتْ فيه الياءُ على غير قياس " انتهى . وهذا ليس بجيدٍ لِما عَرَفْتَ أنَّه لَمَّا قُلِبَتِ الهمزةُ ياءً فالقياسُ أن يُفْعَلَ ما تقدَّم مِنْ قَلْبِ الواوِ إلى الياءِ مِنْ دونِ عكسٍ ، وإنما ذَكَرْتُ هذه الأوجهَ مشروحةً لصعوبتها مع عَدَمِ مَنْ يُمْعِنُ النظرَ مِنْ المُعْرِبين في مثل هذه المواضعِ القَلِقَةِ القليلةِ الاستعمال . وقَدَّم الخبرَ في قولِه " إلينا " و " علينا " مبالغةً في التشديد والوعيدِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.