التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَّا تَسۡمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةٗ} (11)

ثم وصف - سبحانه - هذه الجنة بجملة من الصفات الكريمة فقال : { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } أى : لا تسمع فى هذه الجنة كلمة ذات لغو . واللغو : هو الكلام الساقط الذى لا فائدة فيه . أى : إنك - أيها المخاطب - لا تسمع فى الجنة إلا الكلام الذى تسر له نفسك ، وتقرُّ به عينك ، فلفظ اللاغية هنا : مصدر بمعنى اللغو ، مثل الكاذبة للكذب ، وهو صفة لموصوف محذوف .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَّا تَسۡمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةٗ} (11)

وقوله : لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً يقول : لا تسمع هذه الوجوه ، المعنى لأهلها ، فيها في الجنة العالية لاغية . يعني باللاغية : كلمة لغو . واللّغو : الباطل ، فقيل للكلمة التي هي لغو لاغية ، كما قيل لصاحب الدرع : دارع ، ولصاحب الفرس : فارس ، ولقائل الشعر شاعر وكما قال الحُطيئة :

أغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَ أنّ *** كَ لابِنٌ بالصّيْفِ تامِرْ

يعني : صاحب لبن ، وصاحب تمر . وزعم بعض الكوفيين أن معنى ذلك : لا تسمع فيها حالفة على الكذب ، ولذلك قيل لاغية ولهذا الذي قاله مذهب ووجه ، لولا أن أهل التأويل من الصحابة والتابعين على خلافه ، وغير جائز لأحد خلافهم فيما كانوا عليه مجمعين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً يقول : لا تسمع أذًى ولا باطلاً .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً قال : شتما .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً : لا تسمع فيها باطلاً ، ولا شاتما .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن مَعْمَر ، عن قتادة ، مثله .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض قرّاء المدينة وهو أبو جعفر لا تسْمَعُ بفتح التاء ، بمعنى : لا تسمع الوجوهُ . وقرأ ذلك ابن كثير ونافع وأبو عمرو : «لا تُسْمَعُ » بضم التاء ، بمعنى ما لم يسمّ فاعله ، ويؤنّث تسمع ، لتأنيث لاغية . وقرأ ابن محيصن بالضم أيضا ، غير أنه كان يقرؤها بالياء ، على وجه التذكير .

والصواب من القول في ذلك عندي ، أن كلّ ذلك قراءات معروفات صحيحات المعاني ، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب .