مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَّا تَسۡمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةٗ} (11)

وثانيها : قوله : { لا تسمع فيها لاغية } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : في قوله : { لا تسمع } ثلاث قراءات ( أحدها ) : قرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتاء على الخطاب لاغية بالنصب والمخاطب بهذا الخطاب ، يحتمل أن يكون هو النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون لا تسمع يا مخاطب فيها لاغية ، وهذا يفيد السماع في الخطاب كقوله : { وإذا رأيت ثم رأيت } وقوله : { إذا رأيتهم حسبتهم } ويحتمل أن تكون هذه التاء عائدة إلى { وجوه } والمعنى لا تسمع الوجوه فيها لاغية ( وثانيها ) : قرأ نافع بالتاء المنقوطة من فوق مرفوعة على التأنيث لاغية بالرفع ( وثالثها ) : قرأ ابن كثير وأبو عمرو لا يسمع بالياء المنقوطة من تحت مضمومة على التذكير لاغية بالرفع ، وذلك جائز لوجهين ( الأول ) : أن هذا الضرب من المؤنث إذا تقدم فعله . وكان بين الفعل والاسم حائل حسن التذكير ، قال الشاعر :

إن امرءا غره منكن واحدة *** بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور

والثاني : أن المراد باللاغية اللغو فالتأنيث على اللفظ والتذكير على المعنى .

المسألة الثانية : لأهل اللغة في قوله : { لاغية } ثلاثة أوجه ( أحدها ) : أنه يقال : لغا يلغو لغوا ولاغية ، فاللاغية واللغو شيء واحد ، ويتأكد هذا الوجه بقوله سبحانه : { لا يسمعون فيها لغوا } ، ( وثانيها ) : أن يكون صفة والمعنى لا يسمع كلمة لاغية ( وثالثها ) : قال الأخفش : لاغية أي كلمة ذات لغو كما تقول : فارس ودارع لصاحب الفرس والدرع ، وأما أهل التفسير فلهم وجوه ( أحدها ) : أن الجنة منزهة عن اللغو لأنها منزل جيران الله تعالى وإنما نالوها بالجد والحق لا باللغو والباطل ، وهكذا كل مجلس في الدنيا شريف مكرم فإنه يكون مبرأ عن اللغو وكل ما كان أبلغ في هذا كان أكثر جلالة ، هذا ما قرره القفال ( والثاني ) : قال الزجاج لا يتكلم أهل الجنة إلا بالحكمة والثناء على الله تعالى على ما رزقهم من النعيم الدائم ( والثالث ) : عن ابن عباس يريد لا تسمع فيها كذبا ولا بهتانا ولا كفرا بالله ولا شتما ( والرابع ) قال مقاتل : لا يسمع بعضهم من بعض الحلف عند شراب كما يحلف أهل الدنيا إذا شربوا الخمر وأحسن الوجوه ما قرره القفال ( الخامس ) قال القاضي : اللغو ما لا فائدة فيه ، فالله تعالى نفى عنهم ذلك ويندرج فيه ما يؤذي سامعه على طريق الأولى .