{ فلينظر الإنسان إلى طعامه ( 24 ) أنا صببنا الماء صبا ( 25 ) ثم شققنا الأرض شقا ( 26 ) فأنبتنا فيها حبا ( 27 ) وعنبا وقضبا ( 28 ) وزيتونا ونخلا ( 29 ) وحدائق غلبا ( 30 ) وفاكهة وأبا ( 31 ) متاعا لكم ولأنعامكم ( 32 ) } .
الله سبحانه يدعو الناس ليتأملوا ويتفكروا فيما يطعمون ، أهم الذين أحدثوه وأنشأوه ؟ أم هم الذين أنبتوه وأصلحوه ؟ ! وبعد حصولهم عليه برعاية الله وتيسيره ليتدبروا كيف علمهم أن يتناولوه ، ثم إذا طعموا خفي عليهم كيف انتفعوا به وكيف هضموه ؛ { أنا{[9242]} صببنا الماء صبا } الله دون سواه هو الذي أنزل الغيث من السحاب وصبه على الأرض صبا عجيبا { . . يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء . . }{[9243]} وينزله سبحانه بقدر معلوم ، ويسكن ما قدر جل ثناؤه أن يسكنه ويسلكه ينابيع في الأعماق ؛ وما الطاعمون ولا المخلوقون بقادرين على إنزال قطرة من مطر نستنبت بها مآكلنا التي هي قوام حياتنا ، { ثم شققنا الأرض شقا } فتق الله الأرض وصدعها بالنبات الذي غيب بذره تحت ترابها ، ولولا نعمة ربي لجعل أديمها صلدا ، لا ينشق عن نبت ؛ يفلق الخلاق العليم بقدرته الحب والنوى ، وبلطفه يحيلها بعد همودها إلى حياة وبهجة ونماء ؛ [ أسكناه فيها فدخل تخومها ، وتخلل في أجزاء الحب المودع فيها فنبت وارتفع وظهر على وجه الأرض ]{[9244]} ؛ { فأنبتنا فيها حبا } زرعا ذا حب من قمح وشعير وسائر ما يذكر من الحبوب مما له سنابل ويحصد ويدخر ؛ { وعنبا وقضبا } وكرم عنب ، وما يقضب أي يقطع من البقول التي تحش فينبت أصلها ؛ وقال بعض المفسرين : القضب : القت والعلف لأنه يقضب بعد ظهوره مرة بعد مرة ؛ وقيل : هو الرطب أو الفصافص : ولعل الرأي الأول أنسب لما صدرت به الآيات من قول المولى تبارك اسمه : { فلينظر الإنسان إلى طعامه } فحمله على بعض طعام الأناسي أولى من توجيهه إلى ما تطعمه الأنعام ، كما أن الآيات بعده ذكرت مطاعم الآدميين ؛ { وزيتونا ونخلا } شجر الزيتون الذي من ثمره أدم ، ومن عصيره أدم ، ويستصبح به ، ويدهن به ؛ ومن ثمر النخل يأكل الناس [ بلحا ] بسرا ورطبا وتمرا ، ونيئا ومطبوخا ، ويعتصر منه زيت وخل ؛ { وحدائق غلبا } بساتين ، واحدها : حديقة ؛ قال الكلبي : وكل شيء أحيط عليه من نخيل أو شجر فهو حديقة- لأن الحوطة أو السور أحدق به وأحاطه- وما لم يحط عليه فليس بحديقة ؛ { غلبا } عظاما شجرها ؛ وعن عكرمة : عظام الأوساط والجذوع ؛ وعن مجاهد : ملتفة ؛ { وفاكهة وأبا } أي ما تأكل الناس من ثمار الأشجار كالتين والتفاح وغيرهما ؛ { وأبا } ما تأكله البهائم من العشب ؛ ونقل الحسن النيسابوري عن جار الله الزمخشري : أن الفاكهة : رطب الثمار ؛ والأب : يابسها ؛ يقول القرطبي : وقال أنس : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ هذه الآية قم قال : كل هذا قد عرفناه فما الأب ؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال : هذا لعمر الله التكلف ! وما عليك يا ابن أم عمر ألا تدري ما الأب ؟ ! ثم قال : اتبعوا ما بين لكم من هذا الكتاب ومالا فدعوه .
يقول ابن كثير : فأما ما رواه ابن جرير حيث قال : حدثنا بن بشار حدثنا ابن كثير أبي عدي حدثنا حميد عن أنس قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه : { عبس وتولى } فلما أتى على هذه الآية : { وفاكهة وأبا } قال : قد عرفنا الفاكهة فما الأب ؟ فقال : لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف ؟ فهو إسناد صحيح ، وقد رواه غير واحد عن أنس به ، وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض لقوله : { فأنبتنا فيها حبا . وعنبا وقضبا . وزيتونا ونخلا . وحدائق غلبا . وفاكهة وأبا } ؛ { متاعا لكم ولأنعامكم } أنبتنا هذه الأشياء التي يأكلها بنو آدم متاعا لكم أيها الناس ومنفعة ، تتمتعون بها وتنتفعون ، والتي يأكلها الأنعام لأنعامكم من الإبل والبقر والمعز والضأن ؛ وكل دابة ترعى .
وفي هذا امتنان من الله الوهاب الرازق بما أسدى إلينا من نعم ، وبرهان على أنه سبحانه المتفرد بالخلق والتقدير ، والحكمة والتدبير ، فتبارك الله اللطيف الخبير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.