الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِ ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (53)

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِ ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (53)

ولما بدأ بفاقد{[53437]} حاسة السمع لأنها أنفع من حيث إن الإنسان إنما يفارق غيره من البهائم بالكلام ، أتبعها حاسة البصر مشيراً بتقديم الضمير{[53438]} إلى أنه صلى الله عليه وسلم يجتهد في هدايتهم اجتهاد من كأنه يفعله{[53439]} بنفسه تدريباً لغيره في الاقتصاد في الأمور فقال : { وما أنت بهاد العمي } أي بموجد لهم هداية وإن كانوا يسمعون ، هذا في قراءة الجماعة غير حمزة{[53440]} ، وجعله حمزة فعلاً مضارعاً مسنداً إلى المخاطب من هدى ، فالتقدير : وما أنت تجدد هداية العمي { عن ضلالتهم } إذا ضلوا عن الطريق فأبعدوا وإن كان أدنى ضلال - بما أشار إليه التأنيث ، وإن أتعبت{[53441]} نفسك في نصيحتهم ، فإنهم لا يسلكون السبيل إلا وأيديهم في يدك{[53442]} ومتى غفلت عنهم وأنت لست بقيوم رجعوا إلى ضلالهم ، فالمنفي في هذه الجملة في قراءة الجمهور ما تقتضيه الاسمية من دوام الهداية مؤكداً ، وفي قراءة حمزة ما يقتضيه المضارع من التجدد وفي التي قبلها ما تقتضيه الفعلية المضارعة من التجدد ما دام مشروطاً بالإدبار ، وفي الأولى تجدد السماع مطلقاً فهي أبلغ ثم{[53443]} التي بعدها ، فممثول الصنف الأول من{[53444]} لا يقبل الخير بوجه ما مثل أبي جهل وأبيّ بن خلف ، والثاني من قد{[53445]} يقارب {[53446]}مقاربة ما{[53447]} مثل عتبة بن ربيعة حين كان يقول لهم : خلو بين هذا الرجل وبين الناس ، فإن أصابوه فهو ما أردتم وإلا فعزه عزكم ، والثالث المنافقون ، وعبر في الكل بالجمع لأنه أنكأ - والله الموفق .

ولما كان ذلك{[53448]} كناية عن إيغالهم في الكفر ، بينه ببيان أن المراد موت القلب وصممه وعماه لا الحقيقي{[53449]} بقوله : { إن } أي ما { تسمع إلا من يؤمن } أي يجدد إيمانه مع الاستمرار مصدقاً { بآياتنا } أي فيه قابلية ذلك دائماً ، فهو يذعن{[53450]} للآيات المسموعة ، و{[53451]} يعتبر بالآيات المصنوعة ، وأشار بالإفراد في{[53452]} الشرط إلى أن لفت الواحد عن رأيه أقرب من لفته وهو مع غيره ، وأشار بالجمع في الجزاء إلى أن هذه الطريقة إن سلكت كثر التابع{[53453]} فقال : { فهم } أي فتسبب عن قبولهم لذلك أنهم { مسلمون } أي منقادون للدليل غاية الانقياد غير جامدين مع{[53454]} التقليد .


[53437]:من م ومد، وفي الأصل: تفاقد، وفي ظ: بها ـ كذا.
[53438]:في ظ ومد: المضمر.
[53439]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يفعل.
[53440]:راجع نثر المرجان 5/312.
[53441]:في ظ: أتعب.
[53442]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يديك.
[53443]:في ظ: من.
[53444]:زيد من ظ وم ومد.
[53445]:زيد من ظ وم ومد.
[53446]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تقاربه هنا.
[53447]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تقاربه هنا.
[53448]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: هذا.
[53449]:زيد من ظ ومد، وزيادة م ليست بمستبينة.
[53450]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يذهن.
[53451]:سقط من ظ.
[53452]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: من.
[53453]:في ظ: التتابع.
[53454]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: في.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِ ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (53)

قوله : { وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ } أي لا تستطيع أن تسدد إلى صواب المحجة من أعماه الله فضل عن سبيله وسلك سبيل الباطل . وهذه حقيقة الكافرين الذين يجحدون الحق ويحادّون الله ورسوله ويكذبون بمنهج الإسلام ويتصدون له بالمكائد والدسائس والمؤامرات والتشكيك أولئك المجرمون بور قد عموا عن رؤية الحق رؤية استبصار وتدبر ، وصَموا عنه صمم الشاردين المستكبرين الموغلين في اللجاجة والعناد . أولئك جميعا لا يستطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهديهم إلى الحق ، فيهتدوا ، أو يرشدهم إلى محجة الإسلام فيرشدوا . وكذلك لا يستطيع الداعون إلى منهج الإسلام في كل زمان ومكان أن يحملوا المكابرين والمعاندين من الجاحدين على القناعة والتصديق ؛ لأن هؤلاء أولوا أذهان وإرادات وهمم مسلوبة ، فما يجنحون بعد ذلك إلا للهوى والفسق والباطل .

وعلى هذا ، فإنه حقيق بالمؤمنين الداعين إلى منهج الإسلام في كل زمان أن يجتهدوا في دعوة الطيبين من الناس ، أولي الفطر السوية والطبائع السليمة ؛ أولئك المبرأون من الخلل والعيوب النفسية والفطرية ، لا جرم أن هؤلاء المبرأين من عيوب النفس وأمراضها مهيأون وحدهم لاستقبال العقيدة الإسلامية ، وتدبر التعاليم والمعاني التي جاء بها هذا الدين الحنيف .

قوله : { إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ } أي لا تُسمع يا محمد سماع تصديق وتدبُّر إلا الذين آمنوا بآياتنا ؛ فهؤلاء مصدقون موقنون أن الذي جئتهم به حق ؛ فهم يبادرون السماع والانتفاع بخير ما يسمعون ؛ لأنهم مستسلمون لأمر الله ، مذعنون له بالخضوع والطاعة .

أما غلاظ الطبائع ، قساة القلوب من المعاندين العتاة فإنهم لا يستجيبون لدعوتك لهم ، ولا يصيخون لندائك إياهم بأنهم أشرار قد فسدت فيهم الفطرة وجنحت فيهم الطبائع والعقول .