ثم قال تعالى : { ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر } إشارة إلى أن كل ما هو لطف بالعباد قد وجد ، فأخبرهم الرسول باقتراب الساعة ، وأقام الدليل على صدقه ، وإمكان قيام الساعة عقيب دعواه بانشقاق القمر الذي هو آية لأن من يكذب بها لا يصدق بشيء من الآيات فكذبوا بها واتبعوا الأباطيل الذاهبة ، وذكروا الأقاويل الكاذبة فذكر لهم أنباء المهلكين بالآيتين تخويفا لهم ، وهذا هو الترتيب الحكمي ، ولهذا قال بعد الآيات : { حكمة بالغة } أي هذه حكمة بالغة ، والأنباء هي الأخبار العظام ، ويدلك على صدقه أن في القرآن لم يرد النبأ والأنباء إلا لما له وقع قال : { وجئتك من سبإ بنبإ يقين } لأنه كان خبرا عظيما وقال : { إن جاءكم فاسق بنبإ } [ الحجرات : 6 ] أي محاربة أو مسالمة وما يشبهه من الأمور العرفية ، وإنما يجب التثبت فيما يتعلق به حكم ويترتب عليه أمر ذو بال ، وكذلك قال تعالى : { ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك } فكذلك الأنباء هاهنا ، وقال تعالى عن موسى : { لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة } حيث لم يكن يعلم أنه يظهر له شيء عظيم يصلح أن يقال له : نبأ ولم يقصده ، والظاهر أن المراد أنباء المهلكين بسبب التكذيب وقال بعضهم : المراد القرآن ، وتقديره جاء فيه الأنباء ، وقيل قوله : { جاءكم من الأنباء } يتناول جميع ما ورد في القرآن من الزواجر والمواعظ وما ذكرناه أظهر لقوله : { فيه مزدجر } وفي : { ما } وجهان ( أحدهما ) : أنها موصولة أي جاءكم الذي فيه مزدجر ثانيهما : موصوفة تقديره : ( جاءكم من الأنباء ) شيء موصوف بأن فيه ( مزدجر ) وهذا أظهر والمزدجر فيه وجهان أحدهما ازدجار وثانيهما موضع ازدجار ، كالمرتقى ، ولفظ المفعول بمعنى المصدر كثير لأن المصدر هو المفعول الحقيقي .
قوله جلّ ذكره : { وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الأَنباءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةُ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ } .
جاءهم من أخبارِ الأنبياءِ والأممِ الذين مِنْ قَبْلهِم والأزمنةِ الماضية ما يجب أَنْ يحصلَ به الارتداعُ ، ولكنَّ الحقَّ - سبحانه - أَسْبَلَ على بصائرهم سُجُوف الجهلِ فَعَموا عن مواضع الرشد .
{ وَلَقَدْ جَاءهُمْ } في القرآن { مّنَ الأنباء } أي أخبار القرون الخالية ، أو أخبار الآخرة ، والجار والمجرور في موضع الحال من ما في قوله عز وجل : { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } قدم عليه رعاية للفاصلة وتتويقاً إليه و { مِنْ } للتبعيض ، أو للتبيين بناءاً على المختار من جواز تقديمه على المبين ، قال الرضي : إنما جاز تقديم { مِنْ } المبينة على المبهم في نحو عندي من المال ما يكفي لأنه في الأصل صفة لمقدر أي شيء من المال ، والمذكور عطف بيان للمبين المقدر قبلها ليحصل البيان بعد الإبهام أي بالله لقد جاءهم كائناً من الأنباء ما فيه ازدجار لهم ومنع عما هم فيه من القبائح ، أو موضع ازدجار ومنع ، وهي أنباء التعذيب ، أو أنباء الوعيد ، وأصل { مُزْدَجَرٌ } مزتجر بالتاء موضع الدال وتاء الافتعال تقلب دالاً مع الدال والذال والراء للتناسب ، وقرئ مزجر بقلبها زاياً وإدغام الزاي فيها ، وقرأ زيد بن علي مزجر اسم فاعل من أزجر أي صار ذا زجر كأعشب صار ذا عشب .
{ ولقد جاءهم من الأنباء } : أي من أنباء الأمم السالفة ما قصه القرآن .
{ ما فيه مزدجر } : أي جاءهم من الأخبار ما فيه ما يزجرهم عن التكذيب والكفر .
وقوله تعالى { ولقد جاءهم من الأنباء } أي من أخبار الأمم السابقة وكيف أهلكها الله بتكذيبها رسلها وإصرارها على الشرك والكفر ، وذلك في القرآن الكريم ما فيه مزدجر أي جاء من الأخبار الواعظة المذكرة من قصص الأنبياء مع أممهم ما فيه زاجر عن التكذيب والمعاصي هو حكمة بالغة تامة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.