اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّنَ ٱلۡأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزۡدَجَرٌ} (4)

قوله : { وَلَقَدْ جَاءَهُم مِنَ الأنباء } يعني أهل مكة من أخبار الأمم المكذبة والقرآن { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } أي مَنَاهِي .

قوله : «مزدجر » يجوز أن يكون فاعلاً ب «فيه »{[53868]} لأن «فيه » وقع صلة وأن يكون مبتدأ ، و«فِيهِ » الْخبر . و«الدال » بدل من تاء الافتعال ، وأصله مُزْتَجَرٌ ، فقُلبت التاء دالاً .

وقد تقدم أن تاء الافتعال تقلب دالاً بعد الزاي ، والدال ، والذال ؛ لأن الزاي حرف مجهور والتاء حرف مهموس ، فأبدلوها إلى حرف مجهورٍ قريب من التاء ، وهو الدال . و«مزدجر » هنا اسم{[53869]} مصدر أي ازدجاراً ، أو اسم مكان أي موضع ازدجار . ومعناه فيه نهي وعظة ، يقال : زَجَرْتُهُ وازْدَجَرْتُهُ إذا نهيته عن السوء . وقرئ : مُزَّجَر بِقلب تاء الافتعال زاياً ثم أدغم{[53870]} . وزيد بن علي : مُزْجِر{[53871]} اسم فاعل من أَزْجَرَ صار ذا زَجْرٍ ، كَأَعْشَبَ أي صار ذا عُشْبٍ .

والأنباء هي الأخبار العظام التي لها وقع كقول الهدهد { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } [ النمل : 22 ] ، لأنه كان خبراً عظيماً له وقع وخبر ، وقال تعالى : { إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ } [ الحجرات : 6 ] أي بأمر غريب . وإنما يجب التثبُّت فيما يتعلق به حكم ويترتب عليه أمر ذو بال ، وقال تعالى : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغيب نُوحِيهَا إِلَيْكَ } [ هود : 49 ] . والمراد بالأنباء هنا أخبار المهلكين المكذّبين{[53872]} .

وقيل : المراد القرآن{[53873]} .

قال ابن الخطيب : وفي ( ما ) وجهان :

الأول : أنها موصولة أي جاءكم الذي فيه مُزْدَجَرٌ{[53874]} .

الثاني : أنها نكرة موصوفة أي جاءكم من الأنباء شيء موصوف بأن فيه مزدجر .


[53868]:أي بمتعلق الجار والمجرور.
[53869]:التعبير القريب: مصدر ميميّ.
[53870]:الزايان في بعضهما، ولم يحدد أبو حيان ولا الزمخشري في البحر المحيط والكشاف من قرأ بتلك القراءة. وانظر البحر 8/174 والكشاف 4/36.
[53871]:ذكرها صاحب البحر المرجع السابق.
[53872]:وانظر تفسير الإمام الفخر 15/32.
[53873]:وتقديره جاء فيه الأنباء.
[53874]:قال: وهذا أظهر. وقد قال بالمصدرية والمكانية في "مزدجر": الرازي أيضا نقلا عن الزمخشري وأبو حيان نقلا عنهما معا. وانظر الرازي والكشاف والبحر المراجع السابقة.