{ سيهزم الجمع ويولون الدبر } وهو أنهم ادعوا القوة العامة بحيث يغلب كل واحد منهم محمدا صلى الله عليه وسلم والله تعالى بين ضعفهم الظاهر الذي يعمهم جميعهم بقوله : { ويولون الدبر } وحينئذ يظهر سؤال وهو أنه قال : { يولون الدبر } ولم يقل : يولون الأدبار . وقال في موضع آخر : { يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون } وقال : { ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار } وقال في موضع آخر : { فلا تولوهم الأدبار } فكيف تصحيح الإفراد وما الفرق بين المواضع ؟ نقول : أما التصحيح فظاهر لأن قول القائل : فعلوا كقوله فعل هذا وفعل ذاك وفعل الآخر . قالوا : وفي الجمع تنوب مناب الواوات التي في العطف ، وقوله : { يولون } بمثابة يول هذا الدبر ، ويول ذاك ويول الآخر أي كل واحد يولي دبره ، وأما الفرق فنقول اقتضاء أواخر الآيات حسن الإفراد ، فقوله : { يولون الدبر } إفراده إشارة إلى أنهم في التولية كنفس واحدة ، فلا يتخلف أحد عن الجمع ولا يثبت أحد للزحف فهم كانوا في التولية كدبر واحد ، وأما في قوله : { فلا تولوهم الأدبار } أي كل واحد يوجد به ينبغي أن يثبت ولا يولي دبره ، فليس المنهي هناك توليتهم بأجمعهم بل المنهي أن يولي واحد منهم دبره ، فكل أحد منهي عن تولية دبره ، فجعل كل واحد برأسه في الخطاب ثم جمع الفعل بقوله : { فلا تولوهم } ولا يتم إلا بقوله : { الأدبار } وكذلك في قوله : { ولقد كانوا عاهدوا الله } أي كل واحد قال : أنا أثبت ولا أولي دبري ، وأما في قوله : { ليولن الأدبار } فإن المراد المنافقون الذين وعدوا اليهود وهم متفرقون بدليل قوله تعالى : { تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } ، وأما في هذا الموضع فهم كانوا يدا واحدة على من سواهم .
وذلك حين يرون جمعهم فتعجبهم قوتهم ، ويغترون بتجمعهم ، فيقولون : إنا منتصرون لا هازم لنا ولا غالب ?
هنا يعلنها عليهم مدوية قاضية حاسمة :
( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) . .
فلا يعصمهم تجمعهم ، ولا تنصرهم قوتهم . والذي يعلنها عليهم هو القهار الجبار . . ولقد كان ذلك . كما لا بد أن يكون !
قال البخاري بإسناده إلى ابن عباس - : إن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال وهو في قبة له يوم بدر : " أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم في الأرض أبدا " . فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده ، وقال : حسبك يا رسول الله ألححت على ربك ! فخرج وهو يثب في الدرع ، وهو يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر . . . ) .
وفي رواية لابن أبي حاتم بإسناده إلى عكرمة ، قال : لما نزلت( سيهزم الجمع ويولون الدبر )قال عمر : أي جمع يهزم ? أي أي جمع يغلب ? قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يثب في الدرع ، وهو يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) . فعرفت تأويلها يومئذ !
الدّبر : هاربين منهزمين ، قد أعطوا أدبارهم وظهورهم لمن هزمهم ، وهو كناية عن الهزيمة والفرار . وقد هُزموا يوم بدر ، ونصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم ، وهو من دلائل النبوة .
45- { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر } .
سيغلبون ويهزمون في بدر ، ويولّون منهزمين أمام جيش المسلمين .
وهذه الآية مكية ، نزلت قبل معركة بدر بسبع سنين ، وهي من دلائل النبوة ، وقد تحققت يوم بدر ، حيث قُتل سبعون كافرا ، وأُسر سبعون كافرا ، وفرّ الباقون .
أخرج البخاري ، والنسائي ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر : " أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم في الأرض أبدا " . فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده ، وقال : حسبك يا رسول الله ، ألححت على ربك ، فخرج وهو يثب في الدّرع ، وهو يقول : " سيهزم الجمع ويولّون الدّبر ، بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر " . xi
كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين ، فالآية مكية .
وقال ابن الجوزي : وهذا مما أخبر الله به نبيّه من علم الغيب ، فكانت الهزيمة يوم بدر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.