التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{سَيُهۡزَمُ ٱلۡجَمۡعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ} (45)

قوله : { سيهزم الجمع ويولّون الدبر } والمراد بالجمع كفار مكة . فقد أخبر الله بانهزام جمعهم وانكسار شوكتهم وتفريق شملهم وتوليهم هاربين في بدر . وقد كان ذلك . وهذه واحدة من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم . فقد روي عن سعد بن أبي وقاص : لما نزل قوله تعالى : { سيهزم الجمع ويولون الدبر } كنت لا أدري أي الجمع ينهزم ، فلما كان بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول : " اللهم إن قريشا جاءتك تحادك وتحاد رسولك بفخرها وخيلائها فأخنهم{[4413]} الغداة " ثم قال : { سيهزم الجمع ويولون الدبر } فعرفت تأويلها . وقال ابن عباس كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين ، فهذه الآية مكية .

وهذه حقيقة يستيقنها كل متدبر مدكر من المسلمين . وهي حقيقة ما ينبغي أن تغيب عن أذهان الداعين إلى دين الله على بصيرة . وهي أن الكفر مهما طغى واشتد وبغى فإنه لا محالة صائر إلى التبدد ، والاندثار . وكذلك المشركون الظالمون من أعداء الله والحق ، أعداء الإسلام والمسلمين فإنهم مهما اشتدت صولتهم واستطالت شوكتهم واستطار شأنهم وعزهم ، وهاج فيهم الغرور والاستكبار وحب السيطرة والاستعلاء فإنهم مهزومون مدبرون أنذال إذا اصطدم غرورهم وعجرفتهم بوحدة المسلمين واستمساكم بعقيدة الإسلام الراسخة المتينة . لا جرم أن المسلمين وهم يمضون متوادين متعاونين متآزرين وقد غمرت قلوبهم نفحة العقيدة والتقوى ، ولم يرتضوا عن منهج الإسلام بديلا ولم تفرقهم الأهواء والخلافات والخصومات ، فإنهم منصورون بعون الله وتوفيقه ، وأن جحافل الكافرين على اختلاف أجناسهم ومللهم ، وعلى تعاظم جموعهم وأعدادهم وعساكرهم ، لا محالة صائرون إلى الخزي والهزيمة والتبدد . وليس على المسلمين في ضوء هذه الحقيقة إلا أن يتنادوا متماسكين فيتلاقوا حول عقيدتهم الصلبة ومنهج الله العظيم القويم ، فإنهم والحالة هذه منصورون ظاهرون أعزة ، وأن الكافرين الظالمين المعتدين مهزومون مولون الدبر ، يجرجرون الخسران والعار .


[4413]:أخنى عليهم،أهلكهم.أخنى عليه الدهر،أي أتى عليه وأهلكه. انظر مختار الصحاح ص192 والقاموس المحيط ج4 ص327