مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{سَيُهۡزَمُ ٱلۡجَمۡعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ} (45)

{ سيهزم الجمع ويولون الدبر } وهو أنهم ادعوا القوة العامة بحيث يغلب كل واحد منهم محمدا صلى الله عليه وسلم والله تعالى بين ضعفهم الظاهر الذي يعمهم جميعهم بقوله : { ويولون الدبر } وحينئذ يظهر سؤال وهو أنه قال : { يولون الدبر } ولم يقل : يولون الأدبار . وقال في موضع آخر : { يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون } وقال : { ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار } وقال في موضع آخر : { فلا تولوهم الأدبار } فكيف تصحيح الإفراد وما الفرق بين المواضع ؟ نقول : أما التصحيح فظاهر لأن قول القائل : فعلوا كقوله فعل هذا وفعل ذاك وفعل الآخر . قالوا : وفي الجمع تنوب مناب الواوات التي في العطف ، وقوله : { يولون } بمثابة يول هذا الدبر ، ويول ذاك ويول الآخر أي كل واحد يولي دبره ، وأما الفرق فنقول اقتضاء أواخر الآيات حسن الإفراد ، فقوله : { يولون الدبر } إفراده إشارة إلى أنهم في التولية كنفس واحدة ، فلا يتخلف أحد عن الجمع ولا يثبت أحد للزحف فهم كانوا في التولية كدبر واحد ، وأما في قوله : { فلا تولوهم الأدبار } أي كل واحد يوجد به ينبغي أن يثبت ولا يولي دبره ، فليس المنهي هناك توليتهم بأجمعهم بل المنهي أن يولي واحد منهم دبره ، فكل أحد منهي عن تولية دبره ، فجعل كل واحد برأسه في الخطاب ثم جمع الفعل بقوله : { فلا تولوهم } ولا يتم إلا بقوله : { الأدبار } وكذلك في قوله : { ولقد كانوا عاهدوا الله } أي كل واحد قال : أنا أثبت ولا أولي دبري ، وأما في قوله : { ليولن الأدبار } فإن المراد المنافقون الذين وعدوا اليهود وهم متفرقون بدليل قوله تعالى : { تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } ، وأما في هذا الموضع فهم كانوا يدا واحدة على من سواهم .