قوله : «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ » العامة على سَيُهْزَمُ مبنياً للمفعول و«الجَمْعُ » مرفوعٌ به . وقرئ : سَتَهْزِمُ بتاء الخطاب{[54154]} ، خطاباً للرسول - عليه الصلاة والسلام - «الْجَمْعَ » مفعول به . وأبو حيوة في رواية يعقوب : سَنَهْزِمُ بنون{[54155]} العظمة ، و«الْجَمْعَ » منصوب أيضاً . وابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : سَيَهْزِمُ بياء الغيبة{[54156]} مبنياً للفاعل ( الجَمْعَ ) منصوب أي سيَهْزِمُ اللَّهُ .
و«يُوَلُّونَ » العامة على الغيبة . وأبو حيوة وأبو عمرو - في رواية{[54157]} - وتُوَلُّونَ بتاء الخطاب ، وهي واضحة والدُّبُر هنا اسم جنس ، وحسن هنا لوقوعه فاصلةً بخلاف : { لَيُوَلُّنَّ الأدبار } [ الحشر : 12 ] .
وقال الزمخشري : أي الأدبار ، كما قال :
كُلُوا فِي بَعْضِ بطْنِكُمُ تَصِحُّوا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[54158]}
وقرئ الأدبار{[54159]} .
قال أبو حيان : وليس مثل بعضِ بَطْنِكُمْ ؛ لأن الإفراد هنا له محسّن ، ولا محسن لإِفراد بَطْنِكُمْ{[54160]} .
قال ابن الخطيب : وأفْردَ «الدُّبُرُ » هنا وجُمع في غيره ؛ لأن الجمع هو الأصل ، لأن الضمير ينوب مناب تَكْرار العاطف فكأنه قيل : تولى هذا وهذا . وأفرد لمناسبة المقاطع . وفيه إشارة إلى أن جميعهم يكونون في الانهزام كشخص واحد ، وأما قوله : { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدبار } فجمع لأن كل واحد برأسه منهيّ عن رأسه ، وأما قوله : { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ الله مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأدبار } أي كل واحد قال : أنا أثبت ولا أوَلِّي دُبُرِي{[54161]} .
قال مقاتل : ضرب أبو جهل فرسه يوم بدر فتقدم من الصف وقال : نحن نَقْتَصُّ اليومَ من مُحَمَّد وأصحابِهِ فأنزل الله تعالى : { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } .
وقال سعيد بن المسيب : سمعت عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) {[54162]} يقول : «لما نزل : سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّون الدُّبُرَ كنت لا أدري أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثب في درعه ويقول : { سَيُهْزَمُ الجَمْع وَيُوَلُّون الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } أعظم نائبةً وأشدّ مرارةً من الأسر والقتل يوم بدر »{[54163]} ، وفي رواية{[54164]} «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَثِبُ في دِرْعِهِ ويقول : «اللَّهُمَّ إنَّ قُرَيْشاً حَادَّتْكَ وتُحَادّ رَسُولَكَ بفَخْرِهَا بخَيْلِهَا{[54165]} فَأَخْنِهِمُ{[54166]} العَدَاوَةَ » ، ثم قال : { سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } » . وقال عمر{[54167]} - ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) - : فَعَرَفْتُ تَأْويلهَا . وهذا من معجزات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه أخبر عن غيب فكان كما أخبر قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبعُ سِنينَ ، فالآية على هذا مكية . وفي البخاري عن عائشةَ أمِّ المؤمنين - ( رضي الله عنهما ) - قالت : لقد أنْزِلَ على مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - بمكة ، وإني لجارية ألعبُ : { بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ والساعة أدهى وَأَمَرُّ } . «وعن ابن عباس ( - رضي الله عنهما - ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قُبَّةٍ له يوم بدر : «أَنْشُدُكَ عَهْدَك ووَعْدَكَ ، اللَّهمَّ إنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ اليَوْم أبداً » . فأخذ أبو بكر بيده وقال : حَسْبُك يا رسول الله قد أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّك وهو في الدِّرع فخرج وهو يقول : سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيولُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ » .
{ بل الساعة موعدهم } يريد يوم القيامة { والساعة أدهى وأمر } مما لَحِقَهُمْ{[54168]} .
«أدْهَى » من الداهية وهي الأمر العظيم يقال : أَدْهَاهُ{[54169]} أَمْرُ كَذَا أي أصابه دَهْواً ودَهْياً . وقال ابن السِّكِّيت{[54170]} : دَهَتْهُ دَاهِيَةٌ دَهْوَاءُ ودَهْيَاءُ{[54171]} ، وهي توكيد لها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.