مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي [إخفاء]  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

قوله تعالى : { إن هو إلا وحي يوحى } بكلمة البيان ، وذلك لأنه تعالى لما قال : { وما ينطق عن الهوى } [ النجم : 3 ] كأن قائلا قال : فبماذا ينطق أعن الدليل أو الاجتهاد ؟ فقال لا ، وإنما ينطق عن الله بالوحي ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : { إن } استعملت مكان ما للنفي ، كما استعملت ما للشرط مكان إن ، قال تعالى : { ما ننسخ من ءاية أو ننسها نأت بخير منها } والمشابهة بينهما من حيث اللفظ والمعنى ، أما اللفظ فلأن إن من الهمزة والنون ، وما من الميم والألف ، والألف كالهمزة والنون كالميم ، أما الأول : فبدليل جواز القلب ، وأما الثاني : فبدليل جواز الإدغام ووجوبه ، وأما المعنى فلأن إن تدل على النفي من وجه ، وعلى الإثبات من وجه ، ولكن دلالتها على النفي أقوى وأبلغ ، لأن الشرط والجزاء في صورة استعمال لفظة إن يجب أن يكون في الحالة معدوما إذا كان المقصود الحث أو المنع ، تقول إن تحسن فلك الثواب ، وإن تسيء فلك العذاب ، وإن كان المراد بيان حال القسمين المشكوك فيهما كقولك : إن كان هذا الفص زجاجا فقيمته نصف ، وإن كان جوهرا فقيمته ألف ، فهاهنا وجود شيء منهما غير معلوم وعدم العلم حاصل ، وعدم العلم هاهنا كعدم الحصول في الحث والمنع ، فلا بد في صور استعمال إن عدم ، إما في الأمر ، وإما في العلم ، وإما الوجود فذلك عند وجود الشرط في بيان الحال ، ولهذا قال النحاة : لا يحسن أن يقال إن احمر البسر آتيك ، لأن ذلك أمر سيوجد لا محالة ، وجوزوا استعمال إن فيما لا يوجد أصلا ، يقال في قطع الرجاء إن ابيض القار تغلبني ، قال الله تعالى : { فإن استقر مكانه فسوف تراني } ولم يوجد الاستقرار ولا الرؤية ، فعلم أن دلالته على النفي أتم ، فإن مدلوله إلى مدلول ما أقرب فاستعمل أحدهما مكان الآخر هذا هو الظاهر ، وما يقال إن وما ، حرفان نافيان في الأصل ، فلا حاجة إلى الترادف .

المسألة الثانية : هو ضمير معلوم أو ضمير مذكور ، نقول فيه وجهان : ( أشهرهما ) أنه ضمير معلوم وهو القرآن ، كأنه يقول : ما القرآن إلا وحي ، وهذا على قول من قال النجم ليس المراد منه القرآن ، وأما على قول من يقول هو القرآن فهو عائد إلى مذكور ( والوجه الثاني ) أنه عائد إلى مذكور ضمنا وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم وكلامه وذلك لأن قوله تعالى : { وما ينطق عن الهوى } في ضمنه النطق وهو كلام وقول فكأنه تعالى يقول وما كلامه وهو نطقه إلا وحي وفيه وجه آخر أبعد وأدق ، وهو أن يقال قوله تعالى : { ما ضل صاحبكم } قد ذكر أن المراد منه في وجه أنه ما جن وما مسه الجن فليس بكاهن ، وقوله { وما غوى } أي ليس بينه وبين الغواية تعلق ، فليس بشاعر ، فإن الشعراء يتبعهم الغاوون ، وحينئذ يكون قوله { وما ينطق عن الهوى } ردا عليهم حيث قالوا قوله : قول كاهن وقالوا قوله قول شاعر فقال ما قوله { إلا وحي } وليس { بقول كاهن } ولا { شاعر } كما قال تعالى : { وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون } .

المسألة الثالثة : الوحي اسم أو مصدر ، نقول يحتمل الوجهين ، فإن الوحي اسم معناه الكتاب ومصدر وله معان منها الإرسال والإلهام ، والكتابة والكلام والإشارة والإفهام فإن قلنا هو ضمير القرآن ، فالوحي اسم معناه الكتاب كأنه يقول ، ما القرآن إلا كتاب ويوحى بمعنى يرسل ، ويحتمل على هذا أيضا أن يقال هو مصدر ، أي ما القرآن إلا إرسال وإلهام ، بمعنى المفعول أي مرسل ، وإن قلنا المراد من قوله { إن هو } قوله وكلامه فالوحي حينئذ هو الإلهام ملهم من الله ، أو مرسل وفيه مباحث :

البحث الأول : الظاهر خلاف ما هو المشهور عند بعض المفسرين وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ينطق إلا عن وحي ، ولا حجة لمن توهم هذا في الآية ، لأن قوله تعالى : { إن هو إلا وحي يوحى } إن كان ضمير القرآن فظاهر وإن كان ضميرا عائدا إلى قوله فالمراد من قوله هو القول الذي كانوا يقولون فيه إنه قول شاعر ، ورد الله عليهم فقال : ولا بقول شاعر وذلك القول هو القرآن ، وإن قلنا بما قالوا به فينبغي أن يفسر الوحي بالإلهام .

البحث الثاني : هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يجتهد وهو خلاف الظاهر ، فإنه في الحروب اجتهد وحرم ما قال الله لم يحرم وأذن لمن قال تعالى : { عفا الله عنك لم أذنت لهم } ، نقول على ما ثبت لا تدل الآية عليه .

البحث الثالث : ( يوحى ) يحتمل أن يكون من وحي يوحى ويحتمل أن يكون من أوحى يوحي ، تقول عدم يعدم ، وأعدم يعدم وكذلك علم يعلم وأعلم يعلم فنقول يوحى من أوحى لا من وحي ، وإن كان وحي وأوحى كلاهما جاء بمعنى ولكن الله في القرآن عند ذكر المصدر لم يذكر الإيحاء الذي هو مصدر أوحى ، وعند ذكر الفعل لم يذكر وحي ، الذي مصدره وحى ، بل قال عند ذكر المصدر الوحي ، وقال عند ذكر الفعل أوحى وكذلك القول في أحب وحب فإن حب وأحب بمعنى واحد ، والله تعالى عند ذكر المصدر لم يذكر في القرآن الإحباب ، وذكر الحب قال { أشد حبا } وعند الفعل لم يقل حبه الله بل قال : { يحبهم ويحبونه } ، وقال : { أيحب أحدكم } وقال : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } إلى غير ذلك وفيه سر من علم الصرف وهو أن المصدر والفعل الماضي الثلاثي فيهما خلاف قال بعض علماء الصرف المصدر مشتق من الفعل الماضي ، والماضي هو الأصل ، والدليل عليه وجهان ، لفظي ومعنوي :

أما اللفظي فإنهم يقولون مصدر فعل يفعل إذا كان متعديا فعلا بسكون العين ، وإذا كان لازما فعول في الأكثر ، ولا يقولون الفعل الماضي من فعول فعلى ، وهذا دليل ما ذكرنا .

وأما المعنوي فلأن ما يوجد من الأمور لا يوجد إلا وهو خاص وفي ضمنه العام مثاله الإنسان الذي يوجد ويتحقق يكون زيدا أن عمرا أو غيرهما ، ويكون في ضمنه أنه هندي أو تركي وفي ضمن ذلك أنه حيوان وناطق ، ولا يوجد أولا إنسان ثم يصير تركيا ثم يصير زيدا أو عمرا .

إذا علمت هذا فالفعل الذي يتحقق لا ينفك من أن يكون ماضيا أو مستقبلا وفي ضمنه أنه فعل مع قطع النظر عن مضيه واستقباله مثاله الضرب إذا وجد فأما أن يكون قد مضى أو بعد لم يمض ، والأول ماض والثاني حاضر أو مستقبل ، ولا يوجد الضرب من حيث إنه ضرب خاليا عن المضي والحضور والاستقبال ، غير أن العاقل يدرك من فعل وهو يفعل الآن وسيفعل غدا أمرا مشتركا فيسميه فعلا ، كذلك يدرك في ضرب وهو يضرب الآن وسيضرب غدا أمرا مشتركا فيسميه ضربا فضرب يوجد أولا ويستخرج منه الضرب ، والألفاظ وضعت لأمور تتحقق فيها فيعبر بها عنها والأمور المشتركة لا تتحقق إلا في ضمن أشياء أخر ، فالوضع أولا لما يوجد منه لا يدرك منه قبل الضرب ، وهذا ما يمكن أن يقال لمن يقول الماضي أصل والمصدر مأخوذ منه وأما الذي يقول المصدر أصل والماضي مأخوذ منه فله دلائل منها أن الاسم أصل ، والفعل متفرع ، والمصدر اسم ، ولأن المصدر معرب والماضي مبني ، والإعراب قبل البناء ولأن قال وقال ، وراع وراع ، إذا أردنا الفرق بينهما نرد أبنيتهما إلى المصدر فنقول قال الألف منقلبة من واو بدليل القول ، وقال ألف منقلبة من ياء بدليل القيل وكذلك الروع والريع . وأما المعقول فلأن الألفاظ وضعت للأمور التي في الأذهان ، والعام قبل الخاص في الذهن ، فإن الموجود إذا أدرك يقول المدرك هذا الموجود جوهر أو عرض فإذا أدرك أنه جوهر يقول إنه جسم أو غير جسم عند من يجعل الجسم جوهرا وهو الأصح الأظهر ، ثم إذا أدرك كونه جسما يقول هو تام وكذلك الأمر إلى أن ينتهي إلى أخص الأشياء إن أمكن الانتهاء إليه بالتقسيم ، فالوضع الأول الفعل وهو المصدر من غير زيادة ، ثم إذا انضم إليه زمان تقول : ضرب أو سيضرب فالمصدر قبل الماضي ، وهذا هو الأصح ، إذا علمت هذا فنقول على مذهب من يقول المصدر في الثلاثي من الماضي فالحب وأحب كلاهما في درجة واحدة لأن كليهما من حب يحب والمصدر من الثلاثي قبل مصدر المنشعبة بمرتبة ، وعلى مذهب من يقول الماضي في الثلاثي مأخوذ من المصدر فالمصدر الثلاثي قبل المصدر في المنشعبة بمرتبتين فاستعمل مصدر الثلاثي لأنه قبل مصدر المنشعبة ، وأما الفعل في أحب وأوحى فلأن الألف فيهما تفيد فائدة لا يفيدها الثلاثي المجرد لأن أحب أدخل في التعدية وأبعد عن توهم اللزوم فاستعمله .

المسألة الرابعة : { إن هو إلا وحي } أبلغ من قول القائل هو وحي ، وفيه فائدة غير المبالغة وهي أنهم كانوا يقولون هو قول كاهن ، هو قول شاعر فأراد نفي قولهم وذلك يحصل بصيغة النفي فقال ما هو كما يقولون وزاد فقال : بل هو وحي ، وفيه زيادة فائدة أخرى وهو قوله { يوحى } ذلك كقوله تعالى : { ولا طائر يطير بجناحيه } وفيه تحقيق الحقيقة فإن الفرس الشديد العدو ربما يقال هو طائر فإذا قال يطير بجناحيه يزيل جواز المجاز ، كذلك يقول بعض من لا يحترز في الكلام ويبالغ في المبالغة كلام فلان وحي ، كما يقول شعره سحر ، وكما يقول قوله معجزة ، فإذا قال يوحى يزول ذلك المجاز أو يبعد .

 
المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

4 - ما القرآن الذي ينطق به إلا وحي من الله يوحيه إليه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

إن هو إلا وحي يوحى . وهو يبلغكم ما يوحى إليه صادقا أمينا .

هذا الوحي معروف حامله . مستيقن طريقه . مشهودة رحلته . رآه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] رأي العين والقلب ، فلم يكن واهما ولا مخدوعا :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

{ إن هو } ما القرآن أو الذي ينطق به . { إلا وحي يوحى } أي إلا وحي يوحيه الله إليه ، واحتج به من لم ير الاجتهاد له . وأجيب عنه بأنه إذا أوحي إليه بأن يجتهد كان اجتهاده وما يستند إليه وحيا ، وفيه نظر لأن ذلك حينئذ يكون بالوحي لا الوحي .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

قوله جلّ ذكره : { وَمَا ينطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وحيٌ يُوحَى } .

أي ما ينطق بالهوى ، وما هذا القرآنُ إلا وحيٌ يُوحَى . وفي هذا أيضاً تخصيصٌ له بالشهادة ؛ إذ قال لداود : { فَاحْكُم بَيْنَ النَّاس بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى } [ ص : 26 ] .

وقال في صفة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } .

{ ومتى ينطق عن الهوى } وهو في محل النجوى ؟ في الظاهر مزمومٌ بزمام التقوى ، وفي السرائر في إيواء المولى ، مُصَفَّى عن كدورات البشرية ، مُرَقَّى إلى شهود الأَحَدِية ، مُكاشَفٌ بجلالِ الصمدية ، مُخْتَطفٌ عنه بالكُلِّيَّة ، لم تبقَ منه إلا للحقِّ بالحقِّ بقية . . . ومَنْ كان بهذا النعت . . . متى ينطق عن الهوى ؟

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

إثبات النبوة وظاهرة الوحي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ( 1 ) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ( 2 ) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ( 3 ) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ( 4 ) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ( 5 ) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ( 6 ) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ( 7 ) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ( 8 ) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ( 9 ) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ( 10 ) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ( 11 ) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ( 12 ) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى ( 13 ) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ( 14 ) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ( 15 ) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ( 16 ) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ( 17 ) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ( 18 ) }

1

المفردات :

هوى : سقط وغرب ، أو نزل .

ما ضلّ : ما حاد عن الطريق المستقيم .

صاحبكم : محمد صلى الله عليه وسلم .

وما غوى : ما اعتقد باطلا ، والخطاب في هذا لقريش .

وما ينطق عن الهوى : ما يتكلم بالباطل .

التفسير :

1 ، 2 ، 3 ، 4- { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } .

يقسم الله تعالى بالنجم الذي يُهتدى به في ظلمات البر والبحر .

وللنجوم فوائد ثلاث :

( أ‌ ) زينة للسماء .

( ب‌ ) رجوم للشياطين .

( ت‌ ) هداية للسائرين .

والنجوم عالم كبير متحرك ، له مسارات منتظمة لا تصطدم ببعضها ، بل تسير بحكمة الله وقدرته الذي يمسك بنظام هذا الكون .

قال تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } . ( الواقعة : 75-80 )

يقسم الله بالنجوم عند إدبارها آخر الليل ، أو بالنجم الذي يهوي شهابا ثاقبا فيقتل الشياطين أو يخبلها .

وكانت الشياطين ترصّ بعضها فوق بعض ، حتى يكون آخر شيطان يستطيع أن يتسمَّع إلى كلام الملائكة ، فيسترق السمع ، ويخبر به الكهَّان ، فيكذب الكاهن مع هذا الأمر مائة كذبة ، فلما أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم شُدَّت الحراسة على السماء ، فمن حاول استماع الغيب أصابه شهاب ثاقب ( نجم يهوى ) فيقتله أو يخبله ، فلما أخبرت الجنّ رئيسها بذلك ، قال لهم : انطلقوا في الأرض فانظروا ما حدث فيها ، فانطلقت طائفة إلى مكة ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ببطن نخلة يقرأ القرآن ، وقد وردت هذه المعاني في صدر سورة الجن ، وفي حديث نبوي شريف بالجامع الصحيح للإمام البخاري .

وفي أول سورة الجن يقول تعالى : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } . ( الجن : 1-2 ) .

وفي الآيتين ( 8-9 ) من سورة الجن يقول الله تعالى : { وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا } . ( الجن : 8-9 )

عود إلى التفسير

أقسم الله تعالى بالنجم الذي يهوى شهابا ثاقبا ، وسهما مصيبا يقتل الجنّي أو يخبله ، أو أقسم بالنجوم عند إدبارها في آخر الليل ، أو أقسم بنجم الشعرى ، وكان بعض العرب يعبده ، وكان قدماء المصريين يوقنون فيضان النيل ، بعبور الشّعرى بالفلك الأعلى ، ويرصدونه من أجل ذلك ، ويرقبون حركاته ، وللشّعرى في شأن أساطير الفرس وأساطير العرب على السواء .

وقيل : أقسم الله بالثّريا ، وقيل : أقسم بجنس النجم الذي له هذه الصفات الجليلة ، والحركة المنتظمة .

{ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } . ما بعُد محمد صلى الله عليه وسلم عن الحقّ ، وما غاب عن الهدى .

{ وما غوى } : وما خاب ولا انخرط في سلك الجهال الضالين ، بل هو راشد مهتد ، يحمل النّور والهدى ، كما يحمل النجم الضوء للسّارين ، وإن جبريل لينزل عليه في سرعة النجم إذا هوى .

{ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } : إن كلامه وحديثه وأقواله لا تصدر عن هوى وغرض .

{ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } .

إن ما ينطق به محمد صلى الله عليه وسلم هو وحي السماء ، هو القرآن الكريم الذي ينقله جبريل عن الله عز وجل ، ثم يتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل بواسطة الوحي .

وقد قال صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه ، حيث كان يرغب في كتابة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم : " اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق " .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

{ إن هو } إلى ما الذي ينطق به من ذلك{ إلا وحي } أي موحى به . { يوحى } إليه من الله تعالى . والجملة صفة مؤكدة ل " وحي " رافعة لاحتمال التجوز به . { علمه } علم النبي صلى الله عليه وسلم الوحي أو القرآن

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

وقد نقل إليه هذا الوحيّ من ربه الأعلى .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

{ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } أي : لا يتبع إلا ما أوحى الله إليه من الهدى والتقوى ، في نفسه وفي غيره .

ودل هذا على أن السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : { وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه ، لأن كلامه لا يصدر عن هوى ، وإنما يصدر عن وحي يوحى .