محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

{ إن هو إلا وحي يوحى } أي ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه . وجملة { يوحى } صفة مؤكدة ل { وحي } رافعة لاحتمال المجاز ، مفيدة للاستمرار التجدديّ . والضمير للقرآن ، لفهمه من السياق ، ولأن كلام المنكرين كان في شأنه . وأرجعه بعضهم إلى ما ينطق به مطلقا . واستدل على أن السنن القولية من الوحي ، وقواه بما في ( مراسيل ) أبي داود عن حسان بن عطية قال : ( كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة ، كما ينزل عليه / بالقرآن ، ويعلمه إياها ، كما يعلمه القرآن ) . واستدل أيضا على منع الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم . والصواب هو الأول . أعني : كون مرجع الضمير للقرآن ، لما ذكرنا ، فإنه ردّ لقولهم { افتراه } والقرينة من أكبر المخصصات . وجليّ أنه صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقول بالرأي في أمور الحرب ، وأمور أخرى . فلا بد من التخصيص قطعا ، وبأنه لا قوة في المراسيل ، لما تقرر في الأصول . وبأن الآية لا تدل على منع الاجتهاد المذكور ، ولو أعيد الضمير لما ينطق مطلقا . لأن الله تعالى إذا سوغ له الاجتهاد ، كان الاجتهاد وما يستند إليه كله وحيا ، لا نطقا عن الهوى . لأنه بمنزلة أن يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ( متى ما ظننت كذا فهو حكمي ) أي كل ما ألقيته في قلبك فهو مرادي ، فيكون وحيا حقيقة ، لاندراجه تحت الإذن المذكور ، لأنه من أفراده . فما قيل عليه من أن الوحي الكلام الخفيّ المدرك بسرعة ، فلا يندرج فيه الحكم الاجتهاديّ إلا بعموم المجاز . مع أنه يأباه قوله :{[6808]} { علّمه شديد القوى } غير وارد عليه ، بعدما عرفت من تقريره – نقله في ( العناية ) عن ( الكشف ( - وتفصيل المسألة في مطولات الأصول .


[6808]:[53/ النجم/5].