اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ} (4)

قوله تعالى : { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى } إن هو أي إن الذي ينطق به . وقيل : إن القرآن إلا وحي من الله . وقوله : «يُوحَى » صفة لوحي . وفائدة المجيء بهذا الوصف أنه ينفي المجاز أي هو وحي حقيقة لا بمجرد تسمية كقولك : هَذَا قَوْلٌ يُقَالُ . وقيل : تقديره يُوحَى إليه . ففيه مزيدُ فَائدةٍ{[53364]} .

نقل القُرْطُبِيُّ{[53365]} عن السِّجِسْتَانِيِّ{[53366]} أنه قال : إن شئت أبدلت { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى } من { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ } . قال ابن الأنباريّ{[53367]} : وهذا غلط ، لأن «إنْ » الحقيقية لا تكون مبدلة من «ما » ؛ بدليل أنك لا تقول وَاللَّهِ مَا قُمْتُ إِنْ أنا لَقَاعِدٌ{[53368]} .

فصل

والوحي قد يكون اسماً ومعناه الكتاب ، وقد يكون مصدراً وله معان منها الإِرسال والإلهام والكتابة والكلام والإشارَة والإفهام ، وهذه الآية تدل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يجتهد ، وهو خلافُ الظَّاهر فإِنَّه اجتهد في الحروب وأيضاً حرم في قوله تعالى : { لِمَ تُحَرِّمُ }{[53369]} وأذن قال تعالى : { عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } [ التوبة : 43 ] . قوله «عَلَّمَهُ » يجوز أن تكون هذه الهاء للرسول وهو الظاهر فيكون المفعول الثاني محذوفاً أي عَلَّم الرسولَ الوحيَ أي الموحَى ، ويجوز أن يكون للقرآن والوحي فيكون المفعول الأول محذوفاً أي علمه الرسولَ ، والوحي إن كان هو الكتاب فظاهر وإن كان الإِلهام فهو كقوله تعالى : { نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ }{[53370]} [ الشعراء : 193 و194 ] .


[53364]:بالمعنى من الرازي 28/284.
[53365]:الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي صاحب الجامع لأحكام القرآن التفسير الشهير والمعتمد عليه في بحثنا هذا وصاحب كتاب التذكرة والمتوفى سنة 671 هـ.
[53366]:هو أبو حاتم وقد مر ترجمته وذكره مرارا.
[53367]:الإمام أبو بكر الكوفي الشهير. وقد مرّ أيضا ترجمته.
[53368]:نقل تلك العبارات في الجامع القرطبي 17/85.
[53369]:عبارة الرازي: وحرم ما قال الله لم يحرم وأذن لمن قال تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} نقول: على ما ثبت لا تدل عليه الآية.
[53370]:قال بهذه الإعرابات الرازي في تفسيره 28/284.