مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (50)

قوله تعالى : { فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم } . اعلم أنه تعالى لما بين للرسول صلى الله عليه وسلم أنه يجب أن يقول لهم أنا نذير مبين أردف ذلك بأن أمره بوعدهم ووعيدهم ، لأن الرجل إنما يكون منذرا بذكر الوعد للمطيعين والوعيد للعاصين . فقال والذين آمنوا وعملوا الصالحات فجمع بين الوصفين وهذا دليل على أن العمل الصالح خارج عن مسمى الإيمان وبه يبطل قول المعتزلة ويدخل في الإيمان كل ما يجب من الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان ، ويدخل في العمل الصالح أداء كل واجب وترك كل محظور ، ثم بين سبحانه أن من جمع بينهما فالله تعالى يجمع له بين المغفرة والرزق الكريم . أما المغفرة فإما أن تكون عبارة عن غفران الصغائر ، أو عن غفران الكبائر بعد التوبة ، أو عن غفرانها قبل التوبة ، والأولان واجبان عند الخصم ، وأداء الواجب لا يسمى غفرانا ، فبقي الثالث وهو دلالته على العفو عن أصحاب الكبائر من أهل القبلة . وأما الرزق الكريم فهو إشارة إلى الثواب ، وكرمه يحتمل أن يكون للصفات السلبية ، وهو أن الإنسان هناك يستغني عن المكاسب وتحمل المشاق والذل فيها وارتكاب المآثم والدناءة بسببها ، وأن يكون للصفات الثبوتية ، وهو أن يكون رزقا كثيرا دائما خالصا عن شوائب الضرر ، مقرونا بالتعظيم والتبجيل . والأولى جعل الكريم دالا على كل هذه الصفات ، فهذا شرح حال المؤمنين .