مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلَّذِينَ سَعَوۡاْ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (51)

وأما حال الكفار فقال : { والذين سعوا في آياتنا معاجزين } والمراد اجتهدوا في ردها والتكذيب بها حيث سموها سحرا وشعرا وأساطير الأولين ، ويقال لمن بذل جهده في أمر : إنه سعى فيه توسعا من حيث بلغ في بذل الجهد النهاية ، كما إذا بلغ الماشي نهاية طاقته فيقال له سعى ، وذكر الآيات وأراد التكذيب بها مجازا . قال صاحب الكشاف : يقال سعى في أمر فلان إذا أصلحه أو أفسده بسعيه ، أما المعاجز فيقال عاجزته ، أي طمعت في إعجازه ، واختلفوا في المراد ، هل معاجزين لله أو للرسول وللمؤمنين ، والأقرب هو الثاني لأنهم إن أنكروا الله استحال منهم أن يطمعوا في إعجازه وإن أثبتوه فيبعد أن يعتقدوا أنهم يعجزونه ويغلبونه ، ويصح منهم أن يظنوا ذلك في الرسول بالحيل والمكايد . أما الذين قالوا المراد معاجزين لله ، فقد ذكروا وجوها . أحدها : المراد بمعاجزين مغالبين مفوتين لربهم من عذابهم وحسابهم حيث جحدوا البعث . وثانيها : أنهم يثبطون غيرهم عن التصديق بالله ويثبطونهم بسبب الترغيب والترهيب . وثالثها : يعجزون الله بإدخال الشبه في قلوب الناس والجواب عن الأول أن من جحد أصل الشيء لا يوصف بأنه مغالب لمن يفعل ذلك الشيء ، ومن تأول الآية على ذلك فيجب أن يكون مراده أنهم ظنوا مغالبة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما كان يقوله من أمر الحشر والنشر والجواب : عن الثاني والثالث أن المغالبة في الحقيقة ترجع إلى الرسول والأمة ، لا إلى الله تعالى .

أما قوله تعالى : { أولئك أصحاب الجحيم } فالمراد أنهم يدومون فيها وشبههم من حيث الدوام بالصاحب ، فإن قيل إنه عليه السلام في هذه الآية بشر المؤمنين أولا وأنذر الكافرين ثانيا ، فكان القياس أن يقال : قل يا أيها الناس إنما أنا لكم بشير ونذير ، قلنا الكلام مسوق إلى المشركين ، ويا أيها الناس نداء لهم ، وهم الذين قيل فيهم { أفلم يسيروا في الأرض } ووصفوا بالاستعجال وإنما ألقى ذكر المؤمنين وثوابهم في البين زيادة لغيظهم وإيذائهم .