مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَقِيمٍ} (55)

ولما بين سبحانه حال الكافرين أولا ثم حال المؤمنين ثانيا عاد إلى شرح حال الكافرين مرة أخرى فقال : { ولا يزال الذين كفروا في مرية منه } أي من القرآن أو من الرسول ، وذلك يدل على أن الأعصار إلى قيام الساعة لا تخلو ممن هذا وصفه .

أما قوله تعالى : { حتى تأتيهم الساعة بغتة } أي فجأة من دون أن يشعروا ثم جعل الساعة غاية لكفرهم ، وأنهم يؤمنون عند أشراط الساعة على وجه الإلجاء . واختلف في المراد باليوم العقيم وفيه قولان : أحدهما : أنه يوم بدر وإنما وصف يوم الحرب بالعقيم لوجوه أربعة . أحدها : أن أولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كأنهن عقم لم يلدن . وثانيها : أن المقاتلين يقال لهم أبناء الحرب فإذا قتلوا وصف يوم الحرب بالعقيم على سبيل المجاز . وثالثها : هو الذي لا خير فيه يقال ريح عقيم إذا لم تنشئ مطرا ولم تلقح شجرا . ورابعها : أنه لا مثل له في عظم أمره ، وذلك لقتال الملائكة فيه . القول الثاني : أنه يوم القيامة ، وإنما وصف بالعقيم لوجوه . أحدها : أنهم لا يرون فيه خيرا وثانيها : أنه لا ليل فيه فيستمر كاستمرار المرأة على تعطل الولادة . وثالثها : أن كل ذات حمل تضع حملها في ذلك اليوم فكيف يحصل الحمل فيه ، وهذا القول أولى لأنه لا يجوز أن يقول الله تعالى { ولا يزال الذين كفروا } ويكون المراد يوم بدر ، لأن من المعلوم أنهم في مرية بعد يوم بدر ، فإن قيل لما ذكر الساعة . فلو حملتم اليوم العقيم على يوم القيامة لزم التكرار ؛ قلنا ليس كذلك لأن الساعة من مقدمات القيامة واليوم العقيم هو نفس ذلك اليوم ، وعلى أن الأمر لو كان كما قاله لم يكن تكرارا لأن في الأول ذكر الساعة ، وفي الثاني ذكر عذاب ذلك اليوم ، ويحتمل أن يكون المراد بالساعة وقت موت كل أحد وبعذاب يوم عقيم القيامة .