مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لِّيَجۡعَلَ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَفِي شِقَاقِۭ بَعِيدٖ} (53)

البحث الثاني : أنه تعالى بين أثر تلك الوسوسة ، ثم إنه سبحانه شرح أثرها في حق الكفار أولا ثم في حق المؤمنين ثانيا ، أما في حق الكفار فهو قوله : { ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة } والمراد به تشديد التبعيد لأن عندما يظهر من الرسول صلى الله عليه وسلم الاشتباه في القرآن سهوا يلزمهم البحث عن ذلك ليميزوا السهو من العمد وليعلموا أن العمد صواب والسهو قد لا يكون صوابا .

أما قوله : { للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم } ففيه سؤالان :

السؤال الأول : لم قال : { فتنة للذين في قلوبهم مرض } ولم خصهم بذلك الجواب : لأنهم مع كفرهم يحتاجون إلى ذلك التدبر ، وأما المؤمنون فقد تقدم علمهم بذلك فلا يحتاجون إلى التدبر .

السؤال الثاني : ما مرض القلب الجواب : أنه الشك والشبهة وهم المنافقون كما قال : { في قلوبهم مرض } وأما القاسية قلوبهم فهم المشركون المصرون على جهلهم ظاهرا وباطنا .

أما قوله تعالى : { وإن الظالمين لفي شقاق بعيد } يريد أن هؤلاء المنافقين والمشركين فأصله وإنهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر قضاء عليهم بالظلم والشقاق والمشاقة والمعاداة والمباعدة سواء .