مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَيَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالٖ وَبَنِينَ} (55)

ولما كان القوم في نعم عظيمة في الدنيا جاز أن يظنوا أن تلك النعم كالثواب المعجل لهم على أديانهم ، فبين سبحانه أن الأمر بخلاف ذلك ، فقال : { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات } قرئ يمدهم ويسارع بالياء والفاعل هو الله سبحانه وفي المعنى وجهان : أحدهما : أن هذا الإمداد ليس إلا استدراجا لهم في المعاصي ، واستجرارا لهم في زيادة الإثم وهم يحسبونه مسارعة في الخيرات وبل للاستدراك لقوله : { أيحسبون } يعني بل هم أشباه البهائم لا فطنة لهم ولا شعور حتى يتفكروا في ذلك ، أهو استدراج أم مسارعة في الخير ، وهذه الآية كقوله :

{ ولا تعجبك أموالهم وأولادهم } روي عن يزيد بن ميسرة : أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء «أيفرح عبدي أن أبسط له الدنيا وهو أبعد له مني ، ويجزع أن أقبض عنه الدنيا وهو أقرب له مني » ثم تلا : { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين } وعن الحسن : لما أتى عمر بسوار كسرى فأخذه ووضعه في يد سراقة فبلغ منكبه . فقال عمر اللهم إني قد علمت أن نبيك عليه الصلاة والسلام ، كان يحب أن يصيب مالا لينفقه في سبيلك ، فزويت ذلك عنه نظرا . ثم إن أبا بكر كان يحب ذلك ، اللهم لا يكن ذلك مكرا منك بعمر . ثم تلا : { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين } . الوجه الثاني : وهو أنه سبحانه إنما أعطاهم هذه النعم ليكونوا فارغي البال ، متمكنين من الاشتغال بكلف الحق ، فإذا أعرضوا عن الحق والحالة هذه ، كان لزوم الحجة عليهم أقوى ، فلذلك قال : { بل لا يشعرون } .