الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَيَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالٖ وَبَنِينَ} (55)

ثم قال تعالى : { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات }[ 55-56 ] .

أي : أيحسب{[47498]} هؤلاء الأحزاب الذين تفرقوا في دينهم زبرا الذي نعطيهم في عاجل الدنيا من مال وبنين ( فسارع لهم ) أي نسابق لهم في خيرات الآخرة ونبادر فيها ثم أكذبهم فيما يحسبون ، فقال : { بل لا يشعرون } أي : بل لا يعلمون أن إمدادنا إياهم ما نمدهم به من ذلك إنما هو إملاء واستدراج لهم .

وقوله : { في الخيرات } معه إضمار ، أي : نسارع لهم به في الخيرات ، قاله الزجاج{[47499]} .

وقال هشام{[47500]} : تقديره : نسارع لهم فيه ، ثم أظهر فقال : ( في الخيرات ) كما قال : ولا أدى الموت سبق الموت بشيء . وإنما احتيج إلى هذا التقدير لأن الخبر لا بد أن يكون فيه ضمير يعود على اسم ( أن ) .

وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة{[47501]} : ( يسارع ) بالياء رده على الإمداد ، فلا يحتاج هذا إلى ضمير محذوف ، لأن ما والفعل مصدره ففي ( يسارع ) ضمير اسم أن ، وهو ضمير المصدر .

ومذهب الكسائي أن ( إنما ) حرف واحد ، فلا يحتاج الكلام إلى شيء ، من الإضمار والحذف ، ويقف على مذهبه على ( بنين ) ولا يقف عليه على مذهب غيره .

وتقدير الآية أيحسبون الذين{[47502]} نمدهم به من مال وبنين في الدنيا نسارع لهم به في الخيرات ، أي : نجعله لهم ثوابا ، فليس الأمر كذلك ، إنما هو استدراج ومحنة لهم .


[47498]:ز: تحسب.
[47499]:انظر: معاني الزجاج 4/16.
[47500]:انظر: البحر المحيط 6/409.
[47501]:ز: عبد الرحمن بن بكرة (تحريف)، والقراءة في مختصر ابن خالويه 100، والمحتسب 2/94 وصاحب القراءة هو عبد الرحمن بن أبي بكرة نفيع به الحارث الثقفي، وهو أول مولود ولد في الإسلام بالبصرة ولد سنة 14 هـ، ومات سنة 96 هـ. ترجمته في: تهذيب التهذيب 6/148 وغاية النهاية 1/380.
[47502]:ز: الدين.