مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَوۡمَ يَغۡشَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۡ وَيَقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (55)

ثم ذكر كيفية إحاطة جهنم فقال تعالى : { يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعلمون } .

وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : لم خص الجانبين بالذكر ولم يذكر اليمين والشمال وخلف وقدام ؟ فنقول لأن المقصود ذكر ما تتميز به نار جهنم عن نار الدنيا ونار الدنيا تحيط بالجوانب الأربع ، فإن من دخلها تكون الشعلة خلفه وقدامه ويمينه ويساره وأما النار من فوق فلا تنزل وإنما تصعد من أسفل في العادة العاجلة وتحت الأقدام لا تبقى الشعلة التي تحت القدم ، ونار جهنم تنزل من فوق ولا تنطفئ بالدوس موضع القدم .

المسألة الثانية : قال : { من فوقهم ومن تحت أرجلهم } ولم يقل من فوق رءوسهم ، ولا قال من فوقهم ومن تحتهم ، بل ذكر المضاف إليه عند ذكر تحت ولم يذكره عند ذكر فوق ، فنقول لأن نزول النار من فوق سواء كان من سمت الرءوس وسواء كان من موضع آخر عجيب ، فلهذا لم يخصه بالرأس ، وأما بقاء النار تحت القدم فحسب عجيب ، وإلا فمن جوانب القدم في الدنيا يكون شعل وهي تحت فذكر العجيب وهو ما تحت الأرجل حيث لم ينطق بالدوس وما فوق على الإطلاق .

ثم قال تعالى : { ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون } لما بين عذاب أجسامهم بين عذاب أرواحهم وهو أن يقال لهم على سبيل التنكيل والإهانة ذوقوا عذاب ما كنتم تعملون ، وجعل ذلك عين ما كانوا يعملون للمبالغة بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب ، فإن عملهم كان سببا لجعل الله إياه سببا لعذابهم ، وهذا كثير النظير في الاستعمال .