مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَأَمۡدَدۡنَٰهُم بِفَٰكِهَةٖ وَلَحۡمٖ مِّمَّا يَشۡتَهُونَ} (22)

قوله تعالى : { وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون } أي زدناهم مأكولا ومشروبا ، أما المأكول فالفاكهة واللحم ، وأما المشروب فالكأس الذي يتنازعون فيها ، وفي تفسيرها لطائف :

اللطيفة الأولى : لما قال : { ألحقنا بهم ذرياتهم } بين الزيادة ليكون ذلك جاريا على عادة الملوك في الدنيا إذا زادوا في حق عبد من عبيدهم يزيدون في أقدار أخبازهم وأقطاعهم ، واختار من المأكول أرفع الأنواع وهو الفاكهة واللحم فإنهما طعام المتنعمين ، وجمع أوصافا حسنة في قوله { مما يشتهون } ، لأنه لو ذكر نوعا فربما يكون ذلك النوع غير مشتهى عند بعض الناس فقال كل أحد يعطى ما يشتهي ، فإن قيل الاشتهاء كالجوع وفيه نوع ألم ، نقول ليس كذلك ، بل الاشتهاء به اللذة والله تعالى لا يتركه في الاشتهاء بدون المشتهي حتى يتألم ، بل المشتهي حاصل مع الشهوة والإنسان في الدنيا لا يتألم إلا بأحد أمرين ، إما باشتهاء صادق وعجزه عن الوصول إلى المشتهي ، وإما بحصول أنواع الأطعمة والأشربة عنده وسقوط شهوته وكلاهما منتف في الآخرة .

اللطيفة الثانية : لما قال : { وما ألتناهم } ونفي النقصان يصدق بحصول المساوي ، فقال ليس عدم النقصان بالاقتصار على المساوي ، بطريق آخر وهو الزيادة والإمداد ، فإن قيل أكثر الله من ذكر الأكل والشرب ، وبعض العارفين يقولون لخاصة الله بالله شغل شاغل عن الأكل والشرب وكل ما سوى الله ، نقول هذا على العمل ، ولهذا قال تعالى : { جزاء بما كانوا يعملون } وقال : { بما كنتم تعملون } وأما على العلم بذلك فذلك ، ولهذا قال : { لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون * سلام قولا من رب رحيم } أي للنفوس ما تتفكه به ، للأرواح ما تتمناه من القربة والزلفى .