قوله تعالى : { كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون * متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين } وفيه بيان أسباب التنعيم على الترتيب ، فأول ما يكون المسكن وهو الجنات ثم الأكل والشرب ، ثم الفرش والبسط ثم الأزواج ، فهذه أمور أربعة ذكرها الله على الترتيب ، وذكر في كل واحد منها ما يدل على كماله قوله { جنات } إشارة إلى المسكن والمسكن للجسم ضروري وهو المكان ، فقال : { فاكهين } لأن مكان التنعيم قد ينتغص بأمور وبين سبب الفكاهة وعلو المرتبة يكون مما آتاهم الله ، وقد ذكرنا هذا ، وأما في الأكل والشرب والإذن المطلق فترك ذكر المأكول والمشروب لتنوعهما وكثرتهما ، وقوله تعالى : { هنيئا } إشارة إلى خلوهما عما يكون فيها من المفاسد في الدنيا ، منها أن الآكل يخاف من المرض فلا يهنأ له الطعام ، ومنها أنه يخاف النفاد فلا يسخو بالأكل والكل منتف في الجنة فلا مرض ولا انقطاع ، فإن كل أحد عنده ما يفضل عنه ، ولا إثم ولا تعب في تحصيله ، فإن الإنسان في الدنيا ربما يترك لذة الأكل لما فيه من تهيئة المأكول بالطبخ والتحصيل من التعب أو المنة أو ما فيه من قضاء الحاجة واستقذار ما فيه ، فلا يتهنأ ، وكل ذلك في الجنة منتف . وقوله تعالى : { بما كنتم تعملون } إشارة إلى أنه تعالى يقول أي مع أني ربكم وخالقكم وأدخلتكم بفضلي الجنة ، وإنما منتي عليكم في الدنيا إذ هديتكم ووفقتكم للأعمال الصالحة كما قال تعالى : { بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان } . وأما اليوم فلا من عليكم لأن هذا إنجاز الوعد فإن قيل قال في حق الكفار { إنما تجزون ما كنتم تعملون } وقال في حق المؤمنين { بما كنتم تعملون } فهل بينهما فرق ؟ قلت بينهما بون عظيم من وجوه ( الأول ) كلمة { إنما } للحصر أي لا تجزون إلا ذلك ، ولم يذكر هذا في حق المؤمن فإنه يجزيه أضعاف ما عمل ويزيده من فضله ، وحينئذ إن كان يمن الله على عبده فيمن بذلك لا بالأكل والشرب ( الثاني ) قال هنا { بما كنتم } وقال هناك { ما كنتم } أي تجزون عين أعمالكم إشارة إلى المبالغة في المماثلة كما تقول هذا عين ما عملت وقد تقدم بيان هذا وقال في حق المؤمن { بما كنتم } كأن ذلك أمر ثابت مستمر بعملكم هذا ( الثالث ) ذكر الجزاء هناك وقال هاهنا { بما كنتم تعملون } لأن الجزاء ينبئ عن الانقطاع فإن من أحسن إلى أحد فأتى بجزائه لا يتوقع المحسن منه شيئا آخر . فإن قيل فالله تعالى قال في مواضع { جزاء بما كانوا يعملون } في الثواب ، نقول في تلك المواضع لما لم يخاطب المجزي لم يقل تجزى وإنما أتى بما يفيد العالم بالدوام وعدم الانقطاع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.