مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيۡهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأۡتَمِرُواْ بَيۡنَكُم بِمَعۡرُوفٖۖ وَإِن تَعَاسَرۡتُمۡ فَسَتُرۡضِعُ لَهُۥٓ أُخۡرَىٰ} (6)

ثم قال تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ، وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ، فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن واتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ، لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا } .

قوله تعالى : { أسكنوهن } وما بعده بيان لما شرط من التقوى في قوله : { ومن يتق الله } كأنه قيل : كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات ، فقيل : { أسكنوهن } قال صاحب الكشاف : ( من ) صلة ، والمعنى أسكنوهن حيث سكنتم . قال أبو عبيدة : { من وجدكم } أي وسعكم وسعتكم ، وقال الفراء : على قدر طاقتكم ، وقال أبو إسحاق : يقال وجدت في المال وجدا ، أي صرت ذا مال ، وقرئ بفتح الواو أيضا وبخفضها ، والوجد الوسع والطاقة ، وقوله : { ولا تضاروهن } نهي عن مضارتهن بالتضييق عليهن في السكنى والنفقة { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } وهذا بيان حكم المطلقة البائنة ، لأن الرجعية تستحق النفقة ، وإن لم تكن حاملا ، وإن كانت مطلقة ثلاثا أو مختلعة فلا نفقة لها إلا أن تكون حاملا ، وعند مالك والشافعي ، ليس للمبتوتة إلا السكنى ولا نفقة لها ، وعن الحسن وحماد لا نفقة لها ولا سكنى ، لحديث فاطمة بنت قيس أن زوجها بت طلاقها ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا سكنى لك ولا نفقة . " وقوله : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } يعني حق الرضاع وأجرته وقد مر ، وهو دليل على أن اللبن وإن خلق لمكان الولد فهو ملك لها وإلا لم يكن لها أن تأخذ الأجر ، وفيه دليل على أن حق الرضاع والنفقة على الأزواج في حق الأولاد وحق الإمساك والحضانة والكفالة على الزوجات وإلا لكان لها بعض الأجر دون الكل ، وقوله تعالى : { وأتمروا بينكم بمعروف } قال عطاء : يريد بفضل معروفا منك ، وقال مقاتل : بتراضي الأب والأم ، وقال المبرد : ليأمر بعضكم بعضا بالمعروف ، والخطاب للأزواج من النساء والرجال ، والمعروف هاهنا أن لا يقصر الرجل في حق المرأة ونفقتها ولا هي في حق الولد ورضاعه وقد مر تفسير الائتمار ، وقيل : الائتمار التشاور في إرضاعه إذا تعاسرت هي ، وقوله تعالى : { وإن تعاسرتم } أي في الأجرة : { فسترضع له أخرى } غير الأم .