مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

ثم خوف نساءه بقوله تعالى : { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن } قال المفسرون : عسى من الله واجب ، وقرأ أهل الكوفة { أن يبدله } بالتخفيف ، ثم إنه تعالى كان عالما أنه لا يطلقهن لكن أخبر عن قدرته أنه إن طلقهن أبدله خيرا منهم تخويفا لهن ، والأكثر في قوله : { طلقكن } الإظهار ، وعن أبي عمرو إدغام القاف في الكاف ، لأنهما من حروف الفم ، ثم وصف الأزواج اللاتي كان يبدله فقال : { مسلمات } أي خاضعات لله بالطاعة { مؤمنات } مصدقات بتوحيد الله تعالى مخلصات { قانتات } طائعات ، وقيل : قائمات بالليل للصلاة ، وهذا أشبه لأنه ذكر السائحات بعد هذا والسائحات الصائمات ، فلزم أن يكون قيام الليل مع صيام النهار ، وقرئ سيحات ، وهي أبلغ وقيل للصائم : سائح لأن السائح لا زاد معه ، فلا يزال ممسكا إلى أن يجد من يطعمه فشبه بالصائم الذي يمسك إلى أن يجيء وقت إفطاره ، وقيل : سائحات مهاجرات ، ثم قال تعالى : { ثيبات وأبكارا } لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة بعضها من الثيب وبعضها من الأبكار ، فالذكر على حسب ما وقع ، وفيه إشارة إلى أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ليس على حسب الشهوة والرغبة ، بل على حسب ابتغاء مرضات الله تعالى وفي الآية مباحث :

البحث الأول : قوله { بعد ذلك } تعظيم للملائكة ومظاهرتهم ، وقرئ تظاهرا و تتظاهرا و تظهرا .

البحث الثاني : كيف يكون المبدلات خيرا منهن ، ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين ؟ نقول : إذا طلقهن الرسول لعصيانهن له ، وإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة ، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله خيرا منهن .

البحث الثالث : قوله : { مسلمات مؤمنات } يوهم التكرار ، والمسلمات والمؤمنات على السواء ؟ نقول : الإسلام هو التصديق باللسان والإيمان هو التصديق بالقلب ، وقد لا يتوافقان فقوله : { مسلمات مؤمنات } تحقيق للتصديق بالقلب واللسان .

البحث الرابع : قال تعالى : { ثيبات وأبكارا } بواو العطف ، ولم يقل : فيما عداهما بواو العطف ، نقول : قال في الكشاف : إنها صفتان متنافيتان ، لا يجتمعن فيهما اجتماعهن في سائر الصفات .

البحث الخامس : ذكر الثيبات في مقام المدح وهي من جملة ما يقلل رغبة الرجال إليهن . نقول : يمكن أن يكون البعض من الثيب خيرا بالنسبة إلى البعض من الأبكار عند الرسول لاختصاصهن بالمال والجمال ، أو النسب ، أو المجموع مثلا ، وإذا كان كذلك فلا يقدح ذكر الثيب في المدح لجواز أن يكون المراد مثل ما ذكرناه من الثيب .