{ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } فإن نزولها إنما كان بعد مهلك فرعون وقومه قاطبة ليعمل بها بنو إسرائيل فيما يأتون ويذرون ، وأما فرعون وقومه فإنما كانوا مأمورين بعبادة رب العالمين وترك العظيمة الشنعاء التي كان يدعيها الطاغية وتقلبها منه فئته الباغية وبإرسال بني إسرائيل من الأسر والقسر ، ومن هذا يعلم ما في عند النقص من الثمرات والنقص من الأنفس آية واحدة من الآيات التسع ، وعد إظلال الجبل منها لأن ذلك إنما كان لقبول التوراة حين أباه بنو إسرائيل فهو متأخر أيضاً ضرورة . ومثل ذلك عد فلق البحر وإظلال الغمام بدلهما لأن هذا الإظلال أيضاً متأخر عن مهلك فرعون وقومه .
وأجاب بعض الأفاضل عن الاعتراض على جعل التوراة من الآيات بأت التصحيح ممكن ، أما أولاً : فبما صرحوا به من جواز إرجاع الضمير وتعلق الجار ونحوه بالمطلق الذي في ضمن المقيد فقوله سبحانه : { إلى فِرْعَوْنَ } يجوز أن يتعلق بالإرسال المطلق لا المقيد بكونه بالتوراة ، وأما ثانياً : فبأن يقال : إن موسى عليه السلام كما أرسل إلى الفراعنة أرسل إلى بني إسرائيل أيضاً فيجب أن يحمل ملأ فرعون على ما يشملهم فيجيء الكلام على التوزيع على معنى أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين وإلى وملائه بالتوراة فيكون لفاً ونشراً غير مرتب ، ويقال نحو هذا على تقدير عدّ إظلال الجبل . أو الغمام من الآيات ، وفي مجموعة سرى الدين المصري أن هذا السؤال مما أورد الحافظ الطاشكندي على مخدوم الملك فأجاب بأن قوله سبحانه : { بئاياتنا } [ هود : 96 ] حال مقدرة أي مقدرين تلبسه أو نصرته بالآيات والسلطان إلى فرعون وملائه فلا يقدح فيه ظهور بعضها بعد هلاك فرعون كالتوراة . وانفجار الماء . وغير ذلك ، وبأنه قيل : إن إعطاء التوراة مجموعاً مرتباً مكتوباً في الألواح بعد غرق فرعون ، وأوحى بها إلى موسى عليه السلام في حياة فرعون وكان يأمر بها قومه ويبلغها إلى فرعون وملائه ، ويؤيده ما قيل : إن بعض الألواح كان منزلاً قبل نزول التوراة بتمامها وكانت تلك الألواح من خشب والألواح التي كانت فيها التوراة بتمامها كانت من زمرد أو من ياقوت أحمر أو من صخرة صماء انتهى ، ولا يخفى أن الذهاب إلى كون الحال مقدرة مما لا يكاد يقبله الذوق السليم ، وماحكى من أن إعطاء التوراة مجموعاً كان بعض والإيحاء بها كان قبل الخ مما لا مستند له من الأخبار الصحيحة ، وما ذكر أولاً : من حديث التعلق بالمطلق . وثانياً : من حمل { الملا } على ما يشمل بني إسرائيل الخ مما ينبغي أن ينزه ساحة التنزيل عنه ، وكيف يحمل الملأ على ما يشمل بني إسرائيل مع الإضافة إليه وجعلهم من أهل النار ، ولا أظنك في مرية من القول بعدم صحة ذلك ؛ وقيل : لو جعل { إلى فِرْعَوْنَ } متعلقاً
{ بسلطان مُّبِينٍ } [ هود : 96 ] لفظاً أو معنى على تقدير وسلطان مرسل به إلى فرعون لم يبعد مع المناسبة بينه وبين السلطان ، وفيه ما لا يخفى فتأمل .
وتخصيص الملأ بالذكر مع عموم رسالة موسى عليه السلام للقوم كافة لأصالتهم في الرأي وتدبير الأمور واتباع الغير لهم في الورود والصدور ، ولم يصرح بكفر فرعون بالآيات وانهماكه فيما كان عليه من الضلال والإضلال بل اقتصر على ذكر شأنه ملائه فقيل : { فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ } أي أمره بالكفر بما جاء به موسى عليه السلام من الحق للإيذان بوضوح حاله فكأن كفره وأمر ملائه بذلك أمر متحقق الوجود غير محتاج إلى الذكر صريحاً ، وإنما المحتاج إلى ذلك شأن ملائه المترددين بين هاد إلى الحق وهو موسى عليه السلام وداع إلى الضلال وهو فرعون فنعى عليهم سوء اختيارهم ، وإيراد الفاء للإشعار بمفاجأتهم في الاتباع ومسارعة فرعون إلى الكفر والأمر به ، فكأن ذلك لم يتراخ عن الإرسال والتبليغ .
وجوز أن يراد من الأمر الطريقة والشأن ، قيل : ومعنى { فاتبعوا } فاستمروا على الاتباع ، والفاء مثل ما في قولك : وعظته فلم يتعظ وزجرته فلم ينزجر ، فإن الاتيان بالشيء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمراراً عليه لكنه بحسب العنوان فعل جديد وصنع حادث ، ويجوز أن يكون المراد فاتصفوا بما اتصف به فرعون من الكفر بما جاء به موسى عليه السلام والتكذيب له ووافقوه في ذلك ، وإيراد الفاء للاشعار بمفاجأتهم في الموافقة لفرعون في الكفر ومسارعته إليه فكأنه حين حصل الإرسال والتبليغ حصل كفر فرعون بما جاء به موسى عليه السلام ووقع على أثره الموافقة منهم ، ولا تتوهمن أن هذه الموافقة كانت حاصلة لهم قبل لأنها تتوقف على اتصاف فرعون بالكفر بما جاء به موسى عليه السلام ، وذلك إنما تجدد له بعد الإرسال والتبليغ فلا ضرورة إلى الحمل على الاستمرار ، وجعل الفاء كما في قوكل : زجرته فانزجر فتأمل .
وعدل عن أمره إلى أمر فرعون لدفع توهم رجوع الضمير إلى موسى عليه السلام من أول الأمر ولزيادة تقبيح حال المتبعين فإن فرعون علم في الفساد . والإفساد . والضلال . والإضلال ، فاتباعه لفرط الجهالة وعدم الاستبصار ، وكذا الحال في قوله تعالى : { وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } أي براشد أو بذي رشد ، والرشد ضد الغي وإسناده إلى الأمر مجازي وكأن في العدول عن وأمر فرعون غي وضلال إلى ما في النظم الكريم زيادة في تقبيح فعلهم وتحسيراً لهم على فوات ما فيه صلاح الدارين أعني الرشد .
ويجوز أن يجعل الرشد كناية عن المحمودية والإسناد حقيقي أي وما أمر فرعون بصالح حميد العاقبة وقوله سبحانه :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.