{ وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا } أي عذابنا كما ينبىء عنه قوله سبحانه : { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ هود : 93 ] الخ أو وقته فإن الارتقاب يؤذن بذلك { نَجَّيْنَا شُعَيْبًا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا } وهو الإيمان الذي وفقناهم له . أو بمرحمة كائنة منالهم وإنما جىء بالفاء في قصتي ثمود . ولوط حيث قيل : { فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا } [ هود : 82 ] وبالواو ههنا وفي قصة عاد حيث قيل : { وَلَمَّا جَاء } [ هود : 66 ] الخ لأنه قد سبق هناك سابقة الوعد بقوله سبحانه : { ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [ هود : 65 ] وقوله تعالى : { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح } [ هود : 81 ] وهو يجري مجرى السبب المقتضى لدخول الفاء في معلوله ، وأما ههنا . وفي قصة عاد فلم يسبق مثل ذلك بل ذكر مجىء العذاب على أنه قصة بنفسه وما قبله قصة أخرى لكنهما متعلقان بقوم واحد فهما متشاركان من وجه مفترقان من آخر ، وذلك مقام الواو كذا قيل .
وتعقب بأن في الكلام ههنا ذكر الوعد أيضاً ، وهو قوله سبحانه : { لاَ يُؤْمِنُونَ اعملوا على مَكَانَتِكُمْ } إلى قوله عز وجل : { رَقِيبٌ } [ هود : 93 ] غاية الأمر أنه لم يذكر بلفظ الوعد ومثله لا يكفي الفرق ، وقيل : إن ذكر الفاء في الموضعين لقرب عذاب قوم صالح . ولوط للوعد المذكور فإن بين الأولين والعذاب ثلاثة أيام . وبين الآخرين وبينه ما بين قول الملائكة : { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح } [ هود : 81 ] والصبح : وهي سويعات يسيرة . ولا كذلك عذاب قومي شعيب . وهود عليهما السلام بل في قصة قوم شعيب عليه السلام ما يشعر بعدم تضييق زمان مجىء العذاب بناءاً على الشائع في استعمال { سَوْفَ } على أن من أنصف من نفسه لم يشك في الفرق بين الوعد في قصتي صالح . ولوط عليهما السلام . والوعد في غيرهما ، فإن الإشعار بالمجىء فيهما ظاهر فحسن تفريعه بالفاء ولا كذلك في غيرهما كذا قيل ، وفيه ما لا يخفى ، ولعل الاقتصار على التفرقة بالقرب وعدمه أقل غائلة مما قيل ، وكذا مما يقال : من أن الإتيان بالفاء لتقدم الوعد وتركها وإن كان هناك وعد للإشارة إلى سوء حال أولئك القومين ومزيد فظاعته حتى أن العذاب حل بهم لا لسبب سبق الوعد بل لمجرد ظلمهم وكأن وجه اعتبار ذلك فيهم دون قومي لوط . وصالح عليهما السلام أنهم امتازوا عنهم برمي ذينك النبيين بالجنون ومشافهتهما بما لم يشافه به كل من قومي صالح . ولوط نبيه فيما قص عنهما في هذه السورة الكريمة فإن في ذلك ما لا يكاد يخفى عليك فتدبر { وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ } عدل عن الضمير تسجيلاً عليهم بالظلم وإشعاراً بالعلية أي وأخذت أولئك الظالمين بسبب ظلمهم الذي فصل { الصيحة } قيل : صاح بهم جبريل عليه السلام فهلكوا وكانت صيحة على الحقيقة ، وجوز البلخي أن يكون المراد بها نوعاً من العذاب ، والعرب تقول : صاح بهم الزمان إذا هلكوا ، وقال امرؤ القيس : فدع عنك نهباً ( صيح ) في حجراته *** ولكن حديث ما حديث الرواحل
والمعول عليه الأول ، وقد سبق في الأعراف { الرجفة } [ الأعراف : 78 ، 91 ] أي الزلزلة بدلها ، ولعلها كانت من مباديها فلا منافاة ، وقيل : غير ذلك فتذكر { فَأَصْبَحُواْ في دِيَارِهِمْ جاثمين } أي ميتين من جثم الطائر إذا ألصق بطنه بالأرض ، ولذا خص الجثمان بشخص الإنسان قاعداً ، ثم توسعوا فاستعملوا الجثوم بمعنى الإقامة ، ثم استعير من هذا الجاثم للميت لأنه لا يبرح مكانه ، ولما لم يجعل متعلق العلم في قوله سبحانه : { سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ } [ هود : 93 ] الخ نفس مجيء العذاب بل من يجيئه ذلك جعل مجيئه بعد أمراً مسلم الوقوع غنياً عن الاخبار به حيث جعل شرطاً ، وجعل تنجية شعيب عليه السلام والمؤمنين وإهلاك الكفرة الظالمين جواباً له ومقصود الإفادة ، وإنما قدم التنجية اهتماماً بشأنها وإيذاناً بسبق الرحمة على الغضب قاله شيخ الإسلام ، و أصبح إما ناقصة . أو تامة أي صاروا جاثمين . أو دخلوا في الصباح حال كونهم جاثمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.