{ وياقوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } أي لا يكسبنكم { شِقَاقِى } أي معاداتي ، وأصلها أن أحد المتعادين يكون في عدوة وشق . والآخر في آخر ، وروي هذا عن السدي ، وعن الحسن ضراري ، وعن بعض فراقي ، والكل متقارب ، وهو فاعل يجرمنكم والكاف مفعوله الأول ، وقوله سبحانه : { أَن يُصِيبَكُمُ } مفعوله الثاني ، وقد جاء تعدى جرم إلى مفعولين كما جاء تعديها لواحد وهي مثل كسب في ذلك ، ومن الأول قوله
: ولقد طعنت أبا عيينة طعنة *** ( جرمت ) فزارة بعدها أن يغضبوا
وإضافة شقاق إلى ياء المتكلم من إضافة المصدر إلى مفعوله أي لا يكسبنكم شقاقكم إياي أن يصيبكم { مّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ } من الغرق { أَوْ قَوْمَ هُودٍ } من الريح { أَوْ قَوْمَ صالح } من الرجفة والصيحة ، ونهى الشقاق مجاز أو كناية عن نهيهم وهو أبلغ من توجيه النهي إليهم لأنه إذا نهى وهو لا يعقل علم نهي المشاقين بالطريق الأولى ، وقرأ ابن وثاب . والأعمش { يَجْرِمَنَّكُمْ } بضم الياء ، وحكى أيضاً عن ابن كثير وهو حينئذٍ من أجرمته ذنباً إذا جعلته جارماً له أي كاسباً ، والهمزة للنقل من جرم المتعدي إلى مفعول واحد ، ونظيره في النقل كذلك كسب المال فإنه قال فيه أكسبه المال والقراءتان سواء في المعنى إلا أن المشهور جارية على ما هو الأكثر استعمالاً في كلام الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم ، وقرأ مجاهد والجحدري . وابن أبي إسحاق { مَثَلُ } بالفتح ، وروي ذلك عن نافع ، وخرجه جمع على أن { مَثَلُ } فاعل أيضاً إلا أنه بني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن ، وقد جوز فيه . وكذا في غير مع ما . وأن المخففة . والمشددة ذلك كالظروف المضافة للمبنى ، وعلى هذا جاء قوله
: لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت *** حمامة في غصون ذات أو قال
وبعض على أنه نعت لمصدر محذوف والفتحة إعراب أي إصابة مثل إصابة قوم نوح ، وفاعل { يُصِيبَكُمُ } ضمير مستتر يعود على العذاب المفهوم من السياق وفيه تكلف { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ } زماناً كما روي عن قتادة . أو مكاناً كما روي عن غيره ومراده عليه السلام أنكم إن لم تعتبروا بمن قبل لقدم عهد أو بعد مكان فاعتبروا بهؤلاء فإنهم بمرأى ومسمع منكم وكأنه إنما غير أسلوب التحذير بهم واكتفى بذكر قربهم إيذاناً بأن ذلك مغن عن ذكر ما أصابهم لشهرة كونه منظوماً في سمط ما ذكر من دواهي الأمم المرقومة ، وجوز أن يراد بالبعد البعد المعنوي أي ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوىء ، فاحذروا أن يحل بكم ما حل بهم من العذاب ، وقد أخذ هذا المعنى بعض المتأخرين فقال
: فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم *** فما قوم لوط منكم ببعيد
وإفراد { بَعِيدٍ } وتذكيره مع كون المخبر عنه وهو قوم اسم جمع ، ومؤنثاً لفظاً على ما نص عليه الزمخشري ، واستدل له بتصغيره على قويمة وذلك يقتضي أن يقال : ببعيدة موافقة للفظ وببعداء موافقة للمعنى لأن المراد ، وما إهلاكهم أو وما هم بشيء بعيد ، أو وما هم في زمان بعيد أو مكان بعيد ، وجوز أن يكون ذلك لأنه يستوي في بعيد المذكر والمؤنث لكونه على زنة المصادر كالنهيق . والصهيل .
وفي «الكشف » عن الجوهري أن القوم يذكر ويؤنث لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميين تذكر وتؤنث مثل رهط . ونفر . وقوم وإذا صغرت لم تدخل فيه الهاء ، وقلت : قويم . ورهيط ونفير ، ودخل الهاء فيما يكون لغير الآدميين مثل الإبل . والغنم لأن التأنيث لازم وبينه وبين ما نقل عن الزمخشري بون بعيد ، وعليه فلا حاجة إلى التأويل ، هذا ثم إنه عليه السلام لما أنذرهم سوء عاقبة صنيعهم عقبة طمعاً في اروعائهم عما هم فيه من الضلال بالحمل على الاستغفار والتوبة فقال :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.