روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِنَّ ٱللَّهَ عَٰلِمُ غَيۡبِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (38)

{ إِنَّ الله عالم غَيْبِ السموات والأرض } أي كل غيب فيهما أي لا يخفي عليه سبحانه خافية فيهما فلا تخفي عليه جل شأن أحوالهم التي اقتضت الحكمة أن يعاملوا بهذا هذه المعاملة ولا يخرجوا من النار ، وقرأ جناح بن حبيش { عالم } بالتنوين { غَيْبُ } بالنصب على المفعولية لعالم { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } قيل إنه تعليل لما قبله لأنه تعالى إذا علم مضمرات الصدور وهي أخفي ما يكون كان عز وجل أعلم بغيرها ، وفيه نوع خفاء ، وقال الإمام : إن قوله تعالى : { إِنَّ الله } الخ تقرير لدوامهم في العذاب مع أنهم ما كفروا إلا أياماً معدودة فكأن سائلاً يسأل عن وجه ذلك فقيل : إن الله تعالى لا يخفي عليه غيب السماوات والأرض فلا يخفي عليه ما في الصدور فكان يعلم سبحانه من الكافر أن الكفر قد تمكن في قلبه بحيث لو دام إلى الأبد لما أطاع الله تعالى ولا عبده انتهى ، وظاهره أن الجملة الأولى تعليل للثانية على عكس ما قيل ، ويمكن أن يقال : قوله تعالى : { فَمَا للظالمين مِن نَّصِيرٍ } [ فاطر : 37 ] متضمن نفي أن يكون لهم نصير على سبيل الاستمرار ومستدع خلودهم في العذاب فكان مظنة أن يقال كيف ينفي ذلك على سبيل الاستمرار والعادة في الشاهد قاضية بوجود نصير لمن تطول أيام عذابه فأجيب بأن الله عالم غيب السماوات والأرض على معنى أنه تعالى محيط بالأشياء علماً فلو كان لهم نصير في وقت من الأوقات لعلمه ولما نفي ذلك على سبيل الاستمرار ، وكذا مظنة أن يقال : كيف يخلدون في العذاب وهم قد ظلموا في أيام معدودة ؟ فأجيب بأنه عليم بذات الصدور على معنى أنه تعالى يعلم ما انطوت عليه ضمائرهم فيعلم أنهم صمموا على ما هم فيه من الضلال والكفر إلى الأبد فكل من الجملتين مستأنف استئنافاً بيانياً فتأمل .