التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفۡتِنَا فِي سَبۡعِ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ لَّعَلِّيٓ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (46)

فبعثوه إليه فناداه { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ } أي الكثير الصادق { أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ } الآية إلى قوله : { يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } أي أرجع إلى الملك وأتباعه ورجال دولته { لعلهم يعلمون } أي يعلمون قدرك وعلمك وما أنت عليه من الصدق والفضل فيكون ذلك سببا في خروجك من السجن .

وينبغي التذكير هنا بأهمية الأحلام ؛ فإن شطرا منها قابل للتأويل أو الإخبار عن أنباء المستقبل مما هو طي الغيب المستور . وما جاء في هذه السورة وغيرها لهو قاطع على أن كثيرا من الأحلام يفضي إلى حقائق واقعة مفسرة يجدها الناس ف سلوكهم وواقعهم الواعي ، فما تلبث الأحلام التي تراود الذهن والخيال النائمين أن تنبئ بغيب خفي ربما حصل ، أو تحقيق ، أو هو في طريقه إلى الظهور والتحقق بعد أمد قريب أو بعيد .

وهذه الحقيقة مشهودة ومحسوسة قد تفجرت من خلال أحلام كثيرة راودت أذهان كثير من النائمين وخيالاتهم . ومن جملة ذلك هذا النبي الكريم ابن الكريم ابن الكريم يعقوب عليه السلام . ومن قبله جده ، جد النبيين خليل الرحمن الذي رأى في منامه أنه يذبح ولد إسماعيل . ومن بعد ذلك نبينا العظيم الخاتم صلى الله عليه وسلم ؛ فلقد رأى كثيرا من الرؤى التي كانت ما تلبث أن تتحقق وتظهر مثل فلق الصبح لشدة وضوحها وبلوغ تبيانها الكاشف . وغيرهم كثير من الناس يرون في مناماتهم الأحداث والأخبار التي تنبئ وتنذر بالوقوع حتى ما تلبث أن تقع فعلا . وهذه حقيقة لا يملك حد أن يجحدها أو يستخف بها . وما يجترئ على الاستخفاف بتفسير الأحلام على هذا الأساس إلا متحذلق جهول قد ركب متن الشطط والإيغال في المادية الجاحدة العمياء كأمثال فريق من أدعياء المعرفة في علم النفس . أولئك الذين يزعمون أن الأحلام ضرب من التنفيس عن رغبات مضغوطة مكبوتة لم تجد متنفسها في عالم الواقع ( الشعور ) فراحت تتنفس الصعداء في عالم الأحلام ( اللاشعوري ) . ولئن كان هذا التعليل يصيب كثيرا من الحالمين ، إلا أنه لا يصدق على عامة الأحلام . وما ينبغي أن نتصور أن سائر الأحلام ضرب من التنفيس عن النفس المكبوتة ؛ فإن شطرا عظيما من الأحلام يجد تأويله في الواقع ؛ إذ يتكشف ويستبين . أما الزعم بأن الأحلام كلها مجرد كبت وتنفيس عن طريق اللاشعوري من جهاز النفس ؛ فذلك افتراء وباطل ولغط وركون إلى المادية الثقيلة بعيدا عن إشراقات الروح الساطعة السامية التي تعلو على المادة وظلها المتبلد المركوم ؛ فنجرم بعد هذا أن الأحلام أصناف ، فمنها الأضغاث المختلطة التي يجدعا النائم في رؤياه نتيجة لما يواجهه في الواقع من مشكلات عسيرة ومضنية تضطرب لها نفسه وأعصابه . ومنها الصادق في الإنباء عما جرى أو يجري فيما بعد . وذلك من جملة المبشرات التي تخبر عما يستكن في بطون الغيب مما هو حاصل في الواقع .