التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{ٱلۡقَارِعَةُ} (1)

مقدمة السورة:

اتفقت المصاحف وكتب التفسير وكتب السنة على تسمية هذه السورة { سورة القارعة } ولم يرو شيء في تسميتها من كلام الصحابة والتابعين .

واتفق على أنها مكية .

وعدت الثلاثين في عداد نزول السور نزلت بعد سورة قريش وقبل سورة القيامة .

وآيها عشر في عد أهل المدينة وأهل مكة ، وثمان في عد أهل الشام والبصرة ، وإحدى عشرة في عد أهل الكوفة .

أغراضها

ذكر فيها إثبات وقوع البعث وما يسبق ذلك من الأهوال .

وإثبات الجزاء على الأعمال وأن أهل الأعمال الصالحة المعتبرة عند الله في نعيم ، وأهل الأعمال السيئة التي لا وزن لها عند الله في قعر الجحيم .

الافتتاح بلفظ { القارعة } افتتاح مهول ، وفيه تشويق إلى معرفة ما سيخبر به .

وهو مرفوع إما على الابتداء و{ ما القارعة } خبره ويكون هناك منتهى الآية .

فالمعنى : القارعة شيء عظيم هي . وهذا يجري على أن الآية الأولى تنتهى بقوله : { ما القارعة } .

وإمّا أن تكون { القارعة } الأولُ مستقلاً بنفسه ، وعُدّ آية عند أهل الكوفة فيقدر خبرٌ عنه محذوف نحو : القارعة قريبة ، أو يقدر فعل محذوف نحو أتتْ القارعة ، ويكون قوله : { ما القارعة } استئنافاً للتهويل ، وجُعل آية ثانية عند أهل الكوفة ، وعليه فالسورة مسمطة من ثلاث فواصل في أولها وثلاث في آخرها وفاصلتين وسطها .

وإعادة لفظ { القارعة } إظهار في مقام الإِضمار عدل عَنْ أن يقال : القارعة ماهِيهْ ، لما في لفظ القارعة من التهويل والترويع ، وإعادة لفظ المبتدأ أغنت عن الضمير الرابط بين المبتدأ وجملة الخبر .

والقارعة : وصف من القرع وهو ضرب جسم بآخر بشدة لها صوت . وأطلق القرع مجازاً على الصوت الذي يتأثر به السامع تأثُّر خوف أو اتعاظ ، يقال : قَرع فُلاناً ، أي زجره وعَنَّفه بصوت غضب . وفي المقامة الأولى : « ويقرع الأسماع بزواجر وعظه » .

وأطلقت { القارعة } على الحدث العظيم وإن لم يكن من الأصوات كقوله تعالى : { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة } [ الرعد : 31 ] وقيل : تقول العرب : قرعت القوم قارعة ، إذا نزل بهم أمر فظيع ولم أقف عليه فيما رأيت من كلام العرب قبل القرآن .

وتأنيث { القارعة } لتأويلها بالحادثة أو الكائنة .