التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (154)

وقوله : { مَا لَكُم } : { ما } استفهام عن ذات وهي مبتدأ و { لكم } خبر .

والمعنى : أي شيء حصل لكم ؟ وهذا إبهام فلذلك كانت كلمة « ما لك » ونحوها في الاستفهام يجب أن يُتلى بجملةِ حاللٍ تُبيّن الفعل المستفهم عنه نحو : { ما لكم لا تنطقون } [ الصافات : 92 ] ونحو { ما لك لا تأمننا على يوسف } [ يوسف : 11 ] وقد بُينتْ هنا بما تضمنته جملة استفهام { كيف تحكمون } فإن { كيف } اسم استفهام عن الحال وهي في موضع الحال من ضمير { تحكمون } قدمت لأجل صدارة الاستفهام . وجملة { تحكمُونَ } حال من ضمير { لكم } في قوله تعالى : { ما لكم } فحصل استفهامان : أحدهما عن الشيء الذي حصل لهم فحكموا هذا الحكم . وثانيهما عن الحالة التي اتصفوا بها لما حكي هذا الحكم الباطل . وهذا إيجاز حذف إذ التقدير : ما لكم تحكمون هذا الحكم ، كيف تحكمونه . وحذف متعلق { تحكمون } لما دل عليه الاستفهامان من كون ما حكموا به مُنكراً يحق العَجَب منه فكلا الاستفهامين إنكار وتعجيب .

وفرّع عليه الاستفهام الإِنكاري عن عدم تذكرهم ، أي استعمال ذُكرهم بضم الذال وهو العقل أي فمنكر عدم تفهمكم فيما يصدر من حكمكم .