التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمۡ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلۡمُنذَرِينَ} (177)

الفاء في قوله : { فإذَا نزل بساحتهم } فاء الفصيحة ، أي إن كانوا يستعجلون بالعذاب فإذا نزل بهم فبئس وقت نزوله . وإسناد النزول إلى العذاب وجعله في ساحتهم استعارة تمثيلية مكنية ، شبهت هيئة حصول العذاب لهم بعد ما أُنذروا به فلم يعبأوا بهيئة نزول جيش عدوّ في ساحتهم بعد أن أنذرهم به النذير العريان فلم يأخذوا أُهبتهم حتى أناخ بهم .

وذكر الصباح لأنه من علائق الهيئة المشبه بها فإن شأن الغارة أن تكون في الصباح ولذلك كان نذير المجيء بغارة عدوّ ينادي : يا صباحاه نداء ندبة وتفجع . ولذلك جعل جواب « إذا » قوله : { فَسَاءَ صباحُ المُنذَرِينَ } أي بئس الصباح صباحهم .

وفي وصفهم ب { المُنْذَرِينَ } ترشيح للتمثيل وتورية في اللفظ لأن المشبهين منذرون من الله بالعذاب . والذين يسوء صباحهم عند الغارة هم المهزومون فكأنه قيل : فإذا نزل بساحتهم كانوا مغلوبين . وهذا التمثيل قابل لتفريق أجزائه في التشبيه بأن يشبه العذاب بالجيش ، وحلوله بهم بنزول الجيش بساحة قوم وما يلحقهم من ضر العذاب بضر الهزيمة ، ووقت نزول العذاببِ بهم بتصبيح العدوّ محلة قوم . قال في « الكشاف » : « وما فصحت هذه الآية ولا كانت لها الروعة التي تُحِس بها ويروقُك موردها على نفسك وطبعِك إلاّ لمجيئها على طريقة التمثيل » .

واعلم أن في اختيار هذا التمثيل البديع معنى بديعاً من الإِيماء إلى أن العذاب الذي وُعِدوه هو ما أصابهم يوم بدر من قَتل وأسر على طريقة التورية .