التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمَ لِتَرۡكَبُواْ مِنۡهَا وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (79)

انتقال من الامتنان على الناس بما سخر لأجْلهم من نظام العوالم العليا والسفلى ، وبما منحهم من الإِيجاد وتطوره وما في ذلك من الألطاف بهم وما أدمج فيه من الاستدلال على انفراده تعالى بالتصرف فكيف ينصرف عن عبادته الذين أشركوا به آلهة أخرى ، إلى الامتنان بما سخر لهم من الإِبل لمنافعهم الجمّة خاصّة وعامّة ، فالجملة استئناف سادس .

والقول في افتتاحها كالقول في افتتاح نظائرها السابقة باسم الجلالة أو بضميره .

والأنعام : الإِبل والغنم والمعز والبقر . والمراد هنا : الإِبلُ خاصة لقوله : { وَلِتَبْلُغُوا عَلَيهَا حَاجَةً } وقوله : { وَعَلَيْهَا وعَلَى الفُلْككِ تُحْمَلُونَ } وكانت الإِبل غالب مكاسبهم .

والجَعْل : الوضع والتمكين والتهيئة ، فيحمل في كل مقام على ما يناسبه وفائدة الامتنان تقريب نفوسهم من التوحيد لأن شأن أهل المروءة الاستحياء من المنعم .

وأدمج في الامتنان استدلال على دقيق الصنع وبليغ الحكمة كما دل عليه قوله : { وَيُرِيكُم ءاياته } [ غافر : 81 ] أي في ذلك كله .