تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمَ لِتَرۡكَبُواْ مِنۡهَا وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (79)

الآية 79 وقوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } ذكّرهم بهذه الآية وبالآية التي تقدم ذكرها [ نعمة ]{[18370]} بوجهين :

أحدهما : يذكّرهم النعم{[18371]} التي أنعمها عليهم حين{[18372]} قال : { جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا } [ غافر : 61 ] من فضله ، وقال : { جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } [ غافر : 61 ] ثم قال ههنا : { جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } ذكّرهم أولا بدء إنشاءهم [ حين قال ]{[18373]} : { خلقكم من تراب ثم من نطفة } [ غافر : 67 ] إلى آخر ما ذكر .

وفيه دلالة وحدانيته وعلمه وتدبيره وقدرته . ثم ذكّرهم [ نعمة ]{[18374]} من بعد نعمة إلى آخر ليستأدي بذلك شكره وحمده على ذلك . هذا وجه .

والثاني : يذكّرهم أنه إنما أنشأ هذه الأشياء التي ذكرها ، وعدّها /481– ب/ عليهم للبشر ، لم ينشئها لأنفسها ، كأنه يقول ، والله أعلم : قد أنشأت هذه الأشياء لكم ، تنتفعون بها ، وتستعملونها كيف شئتم . فما بالكم أشد إنكارا وكفرا بالنعمة من غيركم من العالم ؟ وسائر العالم أشد خضوعا واستسلاما لنعمه والقيام بشكرها له .

ثم في الآية نقض قول المعتزلة لأنهم يقولون : ليس لله تعالى أن يؤلم طفلا [ وأن يحرّم نعمة ]{[18375]} إلا بعِوضٍ يعوّضها . ثم لا شك أن ما سخّر من الأنعام والدواب للبشر ، ومكّن لهم استعمالها والانتفاع بها أنواع المنافع أنها تتأذى ، وتتألم بذلك . فيجب على قولهم ألا يكون لله تعالى أن يؤلم إلا بعوض ، ترضى به هذه الأشياء ؛ إذ هكذا حكم كل مجعول بعِوض أن يشترط رضا أربابها في العوض .

وإذا لم تكن هذه الأشياء من أهل الرضا [ يجوز ألا يجب ]{[18376]} التعويض . فدل أن ذلك بناء على ما قلنا من أن الأصلح ليس بواجب ، والله الموفّق .

ثم جعل منافعها مختلفة منها الركوب ومنها الأكل وغير ذلك من الانتفاع بصوفها ووبرِها ، وما أعطى لهم أيضا من السفن يركبون بها البحار ليصلوا إلى حوائجهم في الأمصار التي بعُدت منهم ، ونأت ، فضلا منه ومنّة .


[18370]:ساقطة من الأصل وم.
[18371]:في الأصل وم: النعمة.
[18372]:في الأصل وم: حيث.
[18373]:في الأصل وم: حيث.
[18374]:ساقطة من الأصل وم.
[18375]:في الأصل وم: ونعما.
[18376]:في الأصل وم: بحيث ألا يجوز.